التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

ثم أنذر الله - تعالى - الكافرين بسوء المصير ، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال - تعالى - : { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المهاد }

وقد وردت روايات في سبب نزول هذه الآية والتي بعدها . من أشهرها : ما ذكره ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من قريش ما أصاب في غزوة بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : " يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم " فقالوا يا محمد ، لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة . إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس . فأنزل الله - تعالى - { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } إلى قوله - تعالى - { لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبصار } " والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين الذين يدلون بقوتهم ، ويغترون بأموالهم وأولادهم وعصبيتهم . . قل لهم ستغلبون وتهزمون في الدنيا على أيدى المؤمنين وتحشرون يوم القيامة ثم تساقون إلى نار جهنم لتلقوا فيها مصيركم المؤلم ، { وَبِئْسَ المهاد } أي بئس المكان الذى هيأوه لأنفسهم في الآخرة بسبب سوء فعلهم .

والمهاد : المكانل الممهد الذى ينام عليه كالفراش .

ولقد أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتولى الرد عليهم . وأن يواجههم بهذا الخطاب المشتمل على التهديد والوعيد ، لأنهم كانوا يتفاخرون عليه بأموالهم وبقوتهم ، فكان من المناسب أن يتولى صلى الله عليه وسلم الرد عليهم ، وأن يخبرهم بأن النصر سيكون له ولأصحابه ، وأن الدائرة ستدور عليهم .

وقوله { سَتُغْلَبُونَ } إخبار عن أمر يحصل في المستقبل ، وقد وقع كما أخبر به الله - تعالى - فقد دارت الدائرة على اليهود من بني قيقناع والنضير وقريظة وغيرهم ، بعد بضع سنوات من الهجرة ، وتم فتح مكة في السنة الثامنة بعد الهجرة .

وقوله { وَبِئْسَ المهاد } إما من تمام ما قال لهم ، أو استئناف لتهويل شأن جهنم ، وتفظيع حال أهلها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

يقول تعالى : قل يا محمد للكافرين : { سَتُغْلَبُونَ } أي : في الدنيا ، { وَتُحْشَرُونَ } أي : يوم القيامة { إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } .

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن{[4833]} يسار ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قَيْنُقَاع وقال : " يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما{[4834]} أصاب قريشًا " . فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو{[4835]} قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }

إلى قوله : { لَعِبْرَةً{[4836]} لأولِي الأبْصَارِ }{[4837]} .

وقد رواه ابن إسحاق أيضًا ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس فذكره ؛ ولهذا قال تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ }


[4833]:في ر: "عن".
[4834]:في جـ، ر: "بما".
[4835]:في جـ، ر: "إن".
[4836]:في ر، و: "عبرة".
[4837]:السيرة لابن إسحاق (ق 162 ظاهرية).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قُلْ لّلّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىَ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }

اختلفت القراء في ذلك فقرأه بعضهم : { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ } بالتاء على وجه الخطاب للذين كفروا بأنهم سيغلبون . واحتجوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتاء بقوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ } قالوا : ففي ذلك دليل على أن قوله : { سَتُغْلَبُونَ } كذلك خطاب لهم . وذلك هو قراءة عامة قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين . وقد يجوز لمن كانت نيته في هذه الاَية أن الموعودين بأن يغلبوا هم الذين أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم أن يقرأه بالياء والتاء ، لأن الخطاب الوحي حين نزل لغيرهم ، فيكون نظير قول القائل في الكلام : قلت للقوم إنكم مغلوبون ، وقلت لهم إنهم مغلوبون . وقد ذكر أن في قراءة عبد الله : «قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَكُمْ » وهي في قراءتنا : { إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ } . وقرأت ذلك جماعة من قراء أهل الكوفة : «سيغلبوون ويحشرون » على معنى : قل لليهود سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنم . ومن قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل لم يجز في قراءته غير الياء .

والذي نختار من القراءة في ذلك قراءة من قرأه بالتاء ، بمعنى : قل يا محمد للذين كفروا من يهود بني إسرائيل الذين يتبعون ما تشابه من آي الكتاب الذي أنزلته إليك ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد .

وإنما اخترنا قراءة ذلك كذلك على قراءته بالياء لدلالة قوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ } على أنهم بقوله ستغلبون مخاطبون خطابهم بقوله : قد كان لكم ، فكان إلحاق الخطاب بمثله من الخطاب أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائب . وأخرى أن :

أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر فقدم المدينة ، جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال : «يا مَعْشَرَ يَهُودَ ، أسْلِمُوا قَبْلَ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْل أصَابَ قُرَيشا » ، فقالوا : يا محمد لا تغرّنك نفسك إنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تأت مثلنا ! فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك من قولهم : { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنّمَ وَبِئْسَ المِهادُ } إلى قوله : { لأُولِي الأبْصَارِ } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : لما أصاب الله قريشا يوم بدر ، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة ، ثم ذكر نحو حديث أبي كريب ، عن يونس .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ، ثم قال : «يا مَعْشَرَ اليَهُودِ احْذَرُوا مِنَ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنَ النّقْمَةِ ، وَأَسْلِمُوا فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذلك في كِتابِكُمْ ، وعَهْدِ الله إِلَيْكُمْ ! » فقالوا : يا محمد إنك ترى أنا كقومك ، لا يغرنّك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة ، إنا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنا نحن الناس !

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما نزلت هؤلاء الاَيات إلا فيهم : { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ } إلى : { لأُولِي الأبْصَار } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة في قوله : { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنّمَ وَبِئْسَ المِهادُ } قال فنحاص اليهودي في يوم بدر : لا يغرنّ محمدا أن غلب قريشا وقتلهم ، إن قريشا لا تحسن القتال ! فنزلت هذه الاَية : { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنّمَ وَبِئْسَ المِهادُ } .

قال أبو جعفر : فكل هذه الأخبار تنبىء عن أن المخاطبين بقوله : { سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ } هم اليهود المقول لهم : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ } . . . الاَية ، وتدل على أن قراءة ذلك بالتاء أولى من قراءته بالياء . ومعنى قوله : { وَتُحْشَرُونَ } وتجمعون فتجلبون إلى جهنم . وأما قوله : { وَبِئْسَ المِهاد } وبئس الفراش جهنم التي تحشرون إليها . وكان مجاهد يقول كالذي :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : { وَبِئْسَ المِهادُ } قال : بئسما مَهَدوا لأنفسهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم } أي قل لمشركي مكة ستغلبون يعني يوم بدر ، وقيل لليهود فإنه صلى الله عليه وسلم جمعهم بعد بدر في سوق بني قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش ، فقالوا لا يغرنك أنك أصبت أغمارا لا علم لهم بالحرب لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس ، فنزلت . وقد صدق الله وعده لهم بقتل قريظة وإجلاء بني النضير وفتح خيبر ، وضرب الجزية على من عداهم وهو من دلائل النبوة . وقرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما على أن الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه . { وبئس المهاد } تمام ما يقال لهم ، أو استئناف وتقدير بئس المهاد جهنم أو ما مهدوه لأنفسهم .