التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

ثم صور - سبحانه - أحوالهم السيئة يوم القيامة تصويرا مؤثرا فقال : { تَرَى الظالمين مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } .

أى : ترى - أيها العاقل - هؤلاء الظالمين يوم القيامة { مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ } أى خائفين خوفا شديدا ، بسبب ما اكتسبوه فى الدنيا من سيئات على رأسها الكفر ، وهذا الذعر الشديد لن ينفعهم ، فإن العذاب واقع بهم لا محالة ، سواء أخافوا أم لم يخافوا .

وقوله - تعالى - : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } بيان للثواب العظيم الذى أعده الله - تعالى - لعباده المؤمنين .

والروضات : جمع روضة ، وهو أشرف بقاع الجنة وأطيبها وأعلاها .

أى : هذا هو مصير الظالمين يوم القيامة ، أما الذين آمنوا وعملوا فى دنياهم الأعمال الصالحات ، فهم يوم القيامة يكونون فى أشرف بقاع الجنات وأطيبها وأسماها منزلة ، حالة كونهم لهم ما يشاءون من خيرات عند ربهم .

{ ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير } أى : الذى أعطيناه للمؤمنين من خيرات ، هو الفضل الكبير . الذى لا يعادله فضل ، ولا يماثله كرم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

ثم قال تعالى : { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا } أي : في عرصات القيامة ، { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي : الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة ، هذا حالهم يوم معادهم ، وهم في هذا الخوف والوجل ، { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } فأين هذا من هذا :

أين من هو في العَرَصَات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ، ممن هو في روضات الجنات ، فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ ، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

قال : الحسن بن عرفة : حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري{[25812]} عن أبي طَيْبَة ، قال : إن الشَّرْب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول : ما أمْطِرُكُم . قال : فما يدعو داع من {[25813]} القوم بشيء إلا أمطرتهم ، حتى إن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أترابا .

رواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، به .

ولهذا قال تعالى : { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } أي : الفوز العظيم ، والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة .


[25812]:- (1) في ت: "روى الحسن بن عرفة بسنده".
[25813]:- (2) في أ: "في".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { تَرَى الظّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ مّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُوا يقول : وَجِلِين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة . وَهُوَ وَاقِعٌ بهِمْ يقول : والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم ، وهم ذائقوه لا محالة .

وقوله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ يقول تعالى ذكره : والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الاَخرة . ويعني بالروضات : جمع روضة ، وهي المكان الذي يكثر نبته ، ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض ومنه قول أبي النجم .

والنّغضَ مِثْلَ الأجْرَبِ المُدّجّلِ *** حَدَائِقَ الرّوْضِ التي لَمْ تُحْلَلِ

يعني بالروض : جمع روضة . وإنما عنى جلّ ثناؤه بذلك : الخبر عما هم فيه من السرور والنعيم . كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ إلى آخر الاَية . قال في رياض الجنة ونعيمها .

وقوله : لَهمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الاَخرة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذّه أعينهم ، ذلك هو الفضل الكبير ، يقول تعالى ذكره : هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم ، وهذه الكرامة في الاَخرة : هو الفضل من الله عليهم ، الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين في الآخرة، فقال: {ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا} من الشرك، {وهو واقع بهم}، يعني العذاب، في التقديم.

{والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات}، يعني بساتين الجنة.

{لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك} الذي ذكر من الجنة، {هو الفضل الكبير}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة "مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُوا": وَجِلِين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة.

"وَهُوَ وَاقِعٌ بهِمْ": والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة.

"وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ": والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الآخرة. ويعني بالروضات: جمع روضة، وهي المكان الذي يكثر نبته.

"لَهمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ "يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الآخرة ما تشتهيه أنفسهم، وتلذّه أعينهم.

ذلك هو الفضل الكبير: هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم، وهذه الكرامة في الآخرة: هو الفضل من الله عليهم، الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر إشفاق الكفرة والظلمة وخوفهم في الآخرة وإشفاق المؤمنين وخوفهم في الدنيا. فمن خاف عقوبته في الدنيا أمّنه الله من خوف الآخرة، ومن استهزأ بعذاب الله في الدنيا خوّفه في الآخرة.

{ذلك هو الفضل الكبير} أخبر أن ما يعطي لهم في الآخرة، هو الفضل منه لا أنهم يستوجبون ذلك، وسمّاه كبيرا لأنه دائم، لا ينقطع أبدا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الإشفاق: الخوف من جهة الرقة على المخوف عليه من وقوع الأمر.

لهم ما يشاؤون عند ربهم "ومعناه لهم ما يشتهون من اللذات، لأن الإنسان لا يشاء الشيء إلا من طريق الحكمة أو الشهوة أو الحاجة في دفع ضرر، ودفع الضرر لا يحتاج إليه في الجنة، وإرادة الحكمة تتبع التكليف، فلم يبق بعد ذلك إلا أنهم يشاؤون ما يشتهون.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ترى الظالمين} هي رؤية بصر، و {الظالمين} مفعول، و: {مشفقين} حال وليس لهم في هذا الإشفاق مدح؛ لأنهم إنما أشفقوا حين نزل بهم ووقع، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة كما تقدم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما علم من هذا السياق كما ترى أنه لا بد من الفصل، وأن الفصل لا يكون إلا يوم القيامة، قال شارحاً للفصل بين الفريقين في ذلك اليوم مقبلاً على خطاب أعلى الخلق إشارة إلى أن هذا لا يفهمه حق الفهم ويوقن به حق الإيقان غيره صلى الله عليه وسلم، أو يكون المراد كل من يصح أن يخاطب إشارة إلى أن الأمر في الوضوح بحيث لا يختص به أحد دون أحد فقال: {ترى} أي في ذلك اليوم الذي لا يشك فيه عاقل لما له من الأدلة الفطرية الأولية والعقلية والنقلية.

{الظالمين} أي الواضعين الأشياء في غير مواضعها.

{مشفقين} أي خائفين أشد الخوف كما هو حال من يحاسبه من هو أعلى منه وهو مقصر.

ولما كان الكلام في الذين ظلمهم صفة راسخة لهم، كان من المعلوم أن كل عملهم عليهم، فلذلك عبر بفعل الكسب مجرداً فقال: {مما كسبوا} أي عملوا معتقدين لأنه غاية ما ينفعهم {وهو} أي جزاؤه ووباله الذي هو من جنسه حتى كأنه هو {واقع بهم} لا محالة من غير أن يزيدهم خوفهم إلا عذاباً في غمرات النيران، ذلك هو الخسران المبين، ذلك الذي ينذر به الذين ظلموا.

{والذين آمنوا} يصح أن يكون معطوفاً على مفعول {ترى} وأن يكون معطوفاً على جميع الجملة فيكون مبتدأ.

{وعملوا الصالحات} وهي التي أذن الله فيها غير خائفين مما كسبوا؛ لأنهم مأذون لهم في فعله وهو مغفور لهم ما فرطوا فيه.

{في روضات الجنات} أي في الدنيا بما يلذذهم الله به من لذائد الأقوال والأعمال والمعارف والأحوال، وفي الآخرة حقيقة بلا زوال.

{لهم ما يشاؤون} أي دائماً أبداً كائن ذلك لكونه في غاية الحفظ والتربية والتنبيه على مثل هذا الحفظ لفت إلى صفة الإحسان، فقال: {عند ربهم} أي الذي لم يوصلهم إلى هذا الثواب العظيم إلا حسن تربيته لهم، ولطف بره بهم على حسب ما رباهم.

ولما ذكر ما لهم من الجزاء عظمه فقال: {ذلك} أي الجزاء العظيم الرتبة الجليل القدر {هو} لا غيره {الفضل} أي الذي هو أهل لأن يكون فاضلاً عن كفاية صاحبه ولو بالغ في الإنفاق {الكبير} الذي ملأ جميع جهات الحاجة وصغر عنده كل ما ناله غيرهم من هذا الحطام، فالآية كما ترى من الاحتباك: أثبت الإشفاق أولاً دليلاً على حذف الأمن ثانياً، والجنات ثانياً دليلاً على حذف النيران أولاً.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الخطاب ب {تَرى} لغير معيّن فيعم كل من تُمكن منه الرؤية يومئذٍ، كقوله: {وترى الظالمين لمّا رأوا العذاب يقولون هل إلى مردَ من سبيل وتراهم يُعرضون عليها خاشعين من الذلّ} [الشورى: 44، 45]. والمقصود استحضار صورة حال الظالمين يوم القيامة في ذهن المخاطب.

والإشفاق: توقع الشيء المضرّ وهو ضد التمَنّي...

وجملة {وهو واقع بهم} في موضع الحال، أي مشفقين إشفاقاً يقارب اليأس وهو أشد الإشفاق حين يعلمون أن المشفَق منه لا يُنجي منه حَذَر...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ليس غريباً أن تقول الآية في نهايتها: (ذلك هو الفضل الكبير). وقد قلنا مراراً أنّه لا يمكن شرح نعم الجنّة من خلال الكلام، فنحن المكبلون بقيود عالم المادة، لا نستطيع أن ندرك المفاهيم التي تتضمّنها جملة: (لهم ما يشاؤون عند ربّهم). فماذا يريد المؤمنون؟ وما هي الألطاف الموجودة في جوار قربه تعالى؟! وعادة عندما يقوم الخالق العظيم بوصف شيء ما بالفضل الكبير، فإنّ ذلك يكشف عن مقدار العظمة بحيث يكون أعظم من كلّ ما نفكر به...