التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

ثم زاد - سبحانه - في تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم وفى تثبيت فؤاده فقال : { وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ المكر جَمِيعاً . . . } .

والمكر : صرف الغير عما يريده بحيلة ، أو إيصال المكروه للممكور به خفية ، والمراد بمكر الذين من قبلهم : إضمارهم السوء لرسلهم .

والمراد بمكر الله - تعالى - هنا : علمه - سبحانه - بما بيتوه ، وِإحباطه لمكرهم ، وإنجاؤه لرسله - عليهم الصلاة والسلام - .

أى : وقد مكر الكفار الذين سبقوا قومك - يا محمد - برسلهم وحاولوا إيقاع المكروه بهم ، ولكن ربك - سبحانه - نصر رسله لأنه - عز وجل - له المكر جميعا ، ولا اعتداد بمكر غيره لأنه معلوم له .

وقال الجمل ما ملخصه : " وقوله { فَلِلَّهِ المكر جَمِيعاً } تعليل المحذوف تقديره فلا عبرة بمكرهم ، ولا تأثير له ، فحذف هذا اكتفاء بدلالة القصر المستفاد من تعليله بقوله { فَلِلَّهِ المكر جَمِيعاً } أى : لا تأثير لمكرهم أصلا لأنه معلوم لله - تعالى - وتحت قدرته . .

وجملة " يعلم ما تكسب كل نفس " بمنزلة التعليل لجملة { فَلِلَّهِ المكر جَمِيعاً } .

أى : هو - سبحانه - له المكر جميعا ، لأنه لا تخفى عليه خافية من أحوال كل نفس ، وسيجازيها بما تستحقه من خير أو شر .

وقوله : { وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار } تهديد للكافرين بالحق الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أى : وسيعلم الكافرون عندما ينزل بهم العذاب ، لمن تكون العاقبة الحميدة أهى لهم - كما يزعمون - أم للمؤمنين ؟ لا شك أنها للمؤمنين .

فالجملة الكريمة تحذير للكافرين من التمادى في كفرهم ، وتبشير للمؤمنين بأن العاقبة لهم .

وفى قراءة سبعية " وسيعلم الكافر " . فيكون المراد به جنس الكافر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

يقول : { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } برسلهم ، وأرادوا إخراجهم من بلادهم ، فمكر الله بهم ، وجعل العاقبة للمتقين ، كما قال تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] وقال تعالى : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } الآية [ النمل : 50 - 52 ] .

وقوله : { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } أي : إنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر ، وسيجزي كل عامل بعمله .

{ وَسَيَعْلَمُ الْكَافِرُ } وقرئ : { الكُفَّارُ } { لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } أي : لمن تكون الدائرة والعاقبة ، لهم أو لأتباع الرسل ؟ كلا بل هي لأتباع الرسل في الدنيا والآخرة ، ولله الحمد والمنة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ } .

يقول تعالى ذكره : قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورسله فللّه المَكْرُ جَمِيعا يقول : فللّه أسباب المكر جميعا ، وبيده وإليه ، لا يضرّ مكر من مكر منهم أحدا إلاّ من أراد ضرّه به ، يقول : فلم يضرّ الماكرون بمكرهم إلاّ من شاء الله أن يضرّه ذلك ، وإنما ضرّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم ، ونجى رسله : يقول : فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك يا محمد ، والله منجيك من مكرهم ، ومُلحق ضرّ مكرهم بهم دونك . وقوله : يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ يقول : يعلم ربك يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك وما يَسْعون فيه من المكر بك ، ويعلم جميع أعمال الخلق كلهم ، لا يخفى عليه شيء منها . وَسَيَعْلَمُ الكُفّارُ لمَنْ عُقْبَى الدّارِ يقول : وسيعلمون إذا قدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الاَخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون بالله ورسوله الجنة .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء المدينة وبعض أهل البصرة : «وَسَيَعْلَمُ الكافِرُ » على التوحيد ، وأما قرّاء الكوفة فإنهم قرءوه : وَسَيَعْلَمُ الكُفّارُ على الجمع .

والصواب من القراءة في ذلك القراءة على الجمع : وسَيَعْلَمُ الكُفّارُ لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم ، وأتبع بعده الخبر عنهم ، وذلك قوله : وإمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفّيَنّكَ وبعده قوله : وَيَقولُ الّذِينَ كَفَروا لَسْتَ مُرْسَلاً . وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود : «وَسَيَعْلَمَ الكافِرُون » ، وفي قراءة أبيّ : «وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ كَفَرُوا » وذلك كله دليل على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك .