التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا} (102)

وعندما يحكى القرآن الكريم ما رد به موسى على فرعون فيقول : { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ } .

أى : قال موسى لفرعون ردًا على كذبه وافترائه : لقد علمت يا فرعون أنه ما أوجد هذه الآيات التسع إلا الله - تعالى - خالق السموات والأرض ، وقد أوجدها - سبحانه - بصورة واضحة جلية ، حتى لكأتها البصائر فى كشفها للحقائق وتجليتها .

فقوله { بصائر } حال من { هؤلاء } أى : أنزل هذه الآيات حال كونها بينات واضحات تدلك على صدقى .

وفى هذا الرد توبيخ لفرعون على تجاهله الحقائق ، حيث كان يعلم علم اليقين أن موسى - عليه السلام - ليس مسحورًا ولا ساحرًا ، وأن الآيات التى جاء بها إنما هى من عند الله - تعالى - ، كما قال - سبحانه - : مخاطبًا موسى : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين } وقوله : { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً } توبيخ آخر لفرعون ، وتهديد له لأنه وصف نبيًا من أنبياء الله - تعالى - بأنه مسحور .

ومثبورًا بمعنى مهلك مدمر . يقال : ثبر الله - تعالى - الظالم يثبره ثبورًا ، إذا أهلكه .

أو بمعنى مصروفًا عن الخير . مطبوعًا على الشر من قولهم : ما ثبرك يا فلان عن هذا الأمر ؟ أى : ما الذى صرفك ومنعك عنه .

والظن هنا بمعنى اليقين ، والمعنى : وإنى لأعتقد يا فرعون أن مصيرك إلى الهلاك والتدمير ، بسبب إصرارك على الكفر والطغيان ، من بعد إتيانى بالمعجزات الدالة على صدقى فيما أبلغه عن ربى الذى خلقنى وخلقك وخلق كل شئ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا} (102)

أي : حججًا وأدلة على صدق ما جئتك به { وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا } أي : هالكًا . قاله مجاهد وقتادة . وقال ابن عباس ملعونًا . وقال : أيضًا هو والضحاك : ( مَثْبُورًا ) أي : مغلوبًا . والهالك - كما قال مجاهد - يشمل{[17881]} هذا كله ، قال عبد الله بن الزبعري :

إذْ أجَارِي الشَّيطانَ في سَنن الغ *** يِّ وَمَنْ مَالَ مَيْلهُ مَثْبُور{[17882]}

[ بمعنى هالك ]{[17883]} .

وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله : " علمت " وروي ذلك عن علي بن أبي طالب . ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب{[17884]} لفرعون ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [ النمل : 13 ، 14 ] .

فهذا كله مما يدل على{[17885]} أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدّم ذكره{[17886]} من العصا ، واليد ، والسنين ، ونقص من الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم . التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه ، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله . وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث ، فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه ، وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون ؟ وما جاء هذا الوهم إلا من قبل " عبد الله بن سلمة{[17887]} فإن له بعض ما يُنْكر . والله أعلم . ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات ، فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات ، فحصل وَهْم في ذلك . والله أعلم .


[17881]:في ت: "يشتمل".
[17882]:البيت في تفسير الطبري (15/117).
[17883]:زيادة من ت.
[17884]:في ف: "على الخطاب فتح التاء".
[17885]:في أ: "عليه".
[17886]:في ت، ف: "ذكرها".
[17887]:في ف: "مسلم".