الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا} (102)

قوله تعالى : { لَقَدْ عَلِمْتَ } : قرأ الكسائيُّ بضم التاء أَسْند الفعلَ لضمير موسى عليه السلام ، أي : إني متحققٌ أني ما جئت به هو مُنَزَّلٌ مِنْ عندِ الله . والباقون بالفتح على إسناده لضميرِ فرعونَ ، أي : أنت متحقِّقٌ أنَّ ما جئتُ به هو مُنَزَّل من عند الله وإنما كفرُك عِنادٌ ، وعن عليٍّ رضي الله عنه أنه أنكر الفتحَ ، وقال : " ما عَلِم عدوُّ اللهِ قط ، وإنما عَلِم موسى " ، والجملةُ المنفيَّةُ في محلِّ نصبٍ لأنها معلِّقةٌ للعِلْم قبلها .

قوله : " بَصائر " حالٌ وفي عاملها قولان ، أحدُهما : أنه " أَنْزَلَ " هذا الملفوظُ به ، وصاحبُ الحال هؤلاء ، وإليه ذهب الحوفيُّ وابنُ عطيةَ وأبو البقاء ، وهؤلاء يُجيزون أن يَعْمل ما قبلَ " إلا " فيما بعدها ، وإنْ لم يكنْ مستثنى ، ولا مستثنى منه ، ولا تابعاً له . والثاني : وهو مذهب الجمهور أنَّ ما بعد " إلا " لا يكون معمولاً لما قبله ، فيُقدَّر لها عاملٌ تقديرُه : أَنْزَلها بصائِرَ ، وقد تقدَّم نظيرُ هذه في " هود " عند قولِه { إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } [ هود :27 ] .

قوله : " مَثْبورا " " مَثْبوراً " مفعولٌ ثانٍ ، واعترض بين المفعولين بالنداء . والمَثْبُور : المُهْلَكُ . يقال : ثَبَره اللهُ ، أي : أَهْلكه ، قال ابن الزَّبْعَرى :

إذ أُجاريْ الشيطانَ في سَنَنِ الغَيْ *** يِ ومَنْ مالَ مَيْلَه مَثْبورُ

والثُّبُور : الهَلاكُ قال تعالى : { لاَّ تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً } [ الفرقان : 14 ] .