قوله : { لَقَدْ عَلِمْتَ } : قرأ الكسائي{[20741]} بضمِّ التاء أسند الفعل لضمير موسى - عليه السلام - أي : إنِّي متحققٌ أن ما جئتُ به هو منزَّلٌ من عند الله تعالى ، والباقون بالفتح على إسناده لضمير فرعون ، أي : أنت متحقِّقٌ أنَّ ما جئت به هو منزَّل من عند الله ، وإنَّما كفرك عنادٌ ، وعن عليّ - رضي الله عنه - أنه أنكر الفتح ، وقال : " ما عَلِمَ عدُو الله قطُّ ، وإنَّما علمَ مُوسَى " ، [ ولَو عَلِمَ ، لآمنَ ؛ ]{[20742]} فبلغ ذلك ابن عباس ، فاحتجَّ بقوله تعالى :
{ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] على أنَّ فرعون وقومه علموا بصحَّة أمر موسى .
فصل في الخلاف في أجود القراءتين
قال الزجاج : الأجودُ في القراءة الفتحُ ؛ لأنَّ علم فرعون بأنَّها آياتٌ نازلةٌ من عند الله أوكد في الاحتجاج ، واحتجاج موسى على فرعون بعلم فرعون أوكد من الاحتجاج عليه بعلم نفسه .
وأجاب من نصر قراءة عليٍّ عن دليل ابن عباس ، فقال قوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ } يدلُّ على أنهم استيقنوا أشياء ، فأمَّا أنهم استيقنوا كون هذه الأشياء نازلة من عند الله ، فليس في الآية ما يدل عليه ؛ ويدلُّ بأنَّ فرعون قال : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] .
قال موسى : " لقَدْ عَلْمتَ " .
والمعنى : " اعلم أنِّي لستُ بمجنونٍ " ، ولم يثبت عن عليٍّ رفعُ التاء ؛ لأنه يروى عن رجلٍ من مرادٍ عن عليٍّ ، وذلك الرجل مجهول .
واعلم : أن هذه الآيات من عند الله ، ولا تشكَّ في ذلك بسبب سفاهتك والجملة المنفيَّة في محلِّ نصبٍ ؛ لأنها معلقة للعلم قبلها وتقدير الآية : ما أنزل هؤلاء " الآيات " ؛ ونظيره قوله : [ الكامل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . *** والعَيْشَ بَعْدَ أولئك الأيَّام{[20743]}
أي : للأمام . قوله : " بَصائِرَ " حالٌ ، وفي عاملها قولان :
أحدهما : أنه " أنْزلَ " هذا الملفوظ به ، وصاحبُ الحال " هؤلاءِ " وإليه ذهب الحوفي ، و ابن عطيَّة ، وأبو البقاء{[20744]} ، وهؤلاء يجيزون أن يعمل ما قبل " إلاَّ " فيما بعدها ، وإن لم يكن مستثنى ، ولا مستثنى منه ، ولا تابعاً له .
والثاني : - وهو مذهب الجمهور- : أنَّ ما بعد " إلاَّ " لا يكون معمولاً لما قبله ، فيقدر لها عامل ، تقديره : أنزلها بصائر ، وقد تقدَّم نظير هذه في " هود " عند قوله { إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرأي } [ هود : 27 ] .
ومعنى " بَصائِرَ " أي : حججاً بيِّنة ؛ كأنها بصائر العقول ، والمراد : الآيات التِّسع ، ثم قال موسى : { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُوراً } .
قوله : " مَثبُوراً " مفعول ثانٍ ، واعترض بين المفعولين بالنِّداء ، و المَثبُورُ : المهلك ؛ يقال : ثبرهُ الله ، أي : أهلكه ، قال ابن الزبعرى : [ الخفيف ]
إذْ أجَارِي الشَّيطَانَ في سَننِ الغَيْ *** يِ ومَنْ مَالَ مَيلهُ مَثْبُور{[20745]}
والثُّبورُ : الهلاكُ ؛ قال تعالى : { لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً وَاحِداً } [ الفرقان : 14 ] .
وقال ابن عباس : مَثْبُوراً ، أي : ملعوناً ، وقال الفراء : مصروفاً ممنوعاً عن الخير ، والعرب تقول : ما ثبرك عن هذا ؟ أي : ما منعك عن هذا ، وما صرفك عنه ؟ .
قال أبو زيدٍ : يقال ثبرت فلاناً عن الشيء ، أثبرهُ ، أي رددتُّه عنه .
فصل في جواب موسى لفرعون بكونه مثبوراً
واعلم أنَّ فرعون لمَّا وصف موسى - عليه السلام - بكونه مسحوراً ، أجابه موسى بأنَّك مثبورٌ ، أي : أنَّ هذه الآيات ظاهراتٌ ، ومعجزاتٌ ظاهرةٌ ؛ لا يرتاب العاقل في أنَّها من عند الله ؛ وأنه أظهرها لأجل تصديقي ، وأنت تنكرها حسداً ، وعناداً ، ومن كان كذلك ، كان عاقبته الدَّمار والهلاك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.