ثم مضت السورة الكريمة بعذ ذلك في تقرير حقيقة المنافقين ، وفى بيان جانب من صفاتهم ، والمصير السئ الذي ينتظرهم فقال - تعالى - : { المنافقون والمنافقات . . . عَذَابٌ مُّقِيمٌ } .
قال الإِمام الرازى : اعلم أن هذا شرح لنوع آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم ، والمقصود بيان أن إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة ، والأفعال الخبيثة فقال : { المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أى : في صفة النفاق ، وذلك كما يقول إنسان لآخر : أنت منى وأنا منك . أى : أمرنا واحد لا مباينة فيه ولا مخالفة . .
وقوله : { يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف } تفصيل لجانب من راذائلهم ، ومن مسالكهم الخبيثة .
أى : يأمرون غيرهم بكل ما تستنكره الشرائع ، وستتقبحه العقول ، وينهونه عن كل أمر دعت إليه الأديان ، وأحبته القلوب السليمة .
وقوله : { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } كناية عن بخلهم وشحهم ، لأن الإِنسان السخى يبسط يده بالعطاء ، بخلاف الممسك القتور فإنه يقبض يده عن ذلك .
أى : أن من صفات هؤلاء المنافقين أنهم بخلاء أشحاء عن بذل المال في وجوهه المشروعة .
وقوله : { نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ } كناية عن رسوخهم في الكفر ، وانغماسهم في كل ما يبعدهم عن الله - تعالى - .
والمقصود بالنسيان هنا لازمه ، وهو الترك والإِهمال ؛ لأن حيقة النسيان ممحالة على الله - تعالى - ، كما أن النسيان الحقيقى لا يذم صاحبه عليه لعدم التكليف به .
أى : تركوا طاعة الله وخشيته ومراقبته ، فتركهم - سبحانه - وحرمهم من هدايته ورحمته وفضله .
وقوله : { إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ } تذييل قصد به المبالغة في ذمهم .
أى : إن المنافقون هم الكاملون في الخروج عن طاعة الله ، وفى الانسلاخ عن فضائل الإِيمان ، ومكارم الأخلاق .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن المنافقين، فقال: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض}، يعني أولياء بعض في النفاق، {يأمرون بالمنكر}، يعني بالتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم، {وينهون عن المعروف} يعني الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، {ويقبضون أيديهم}، يعني يمسكون عن النفقة في الخير، {نسوا الله فنسيهم} يقول: تركوا العمل بأمر الله، فتركهم الله عز وجل من ذكره، {إن المنافقين هم الفاسقون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ" وهم الذين يظهرون للمؤمنين الإيمان بألسنتهم ويسرّون الكفر بالله ورسوله "بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ "يقول: هم صنف واحد، وأمرهم واحد، في إعلانهم الإيمان واستبطانهم الكفر، يأمرون من قبل منهم بالمنكر، وهو الكفر بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به وتكذيبه. "ويَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ" يقول: وينهونهم عن الإيمان بالله ورسوله وبما جاءهم به من عند الله.
وقوله: "وَيَقْبِضُونَ أيْديهُمْ" يقول: ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله ويكّفونها عن الصدقة، فيمنعون الذين فرض الله لهم في أموالهم ما فرض من الزكاة حقوقهم...عن مجاهد في قوله: "وَيَقْبِضُونَ أيْدِيَهُمْ" قال: لا يبسطونها بنفقة في حقّ...
عن قتادة: "وَيَقْبِضُونَ أيْدِيَهُمْ" قال: يقبضون أيديهم عن كلّ خير.
وأما قوله: "نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ" فإن معناه: تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته.
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى النسيان الترك بشواهده... عن قتادة، قوله: "نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ" نُسُوا من الخير، ولم يُنسوا من الشرّ.
قوله: "إنّ المُنافِقِينَ هُمُ الفاسِقُونَ" يقول: إن الذين يخادعون المؤمنين بإظهارهم لهم بألسنتهم الإيمان بالله، وهم للكفر مستبطنون، هم المفارقون طاعة الله الخارجون عن الإيمان به وبرسوله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) ذكر في أهل الإيمان: بعضهم أولياء بعض بقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) [التوبة: 71]، وذكر في الكافرين الولاية لبعضهم ببعض بقوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) [الأنفال: 73]، وقال في المنافقين: (بعضهم من بعض)، فهو والله أعلم، أن لأهل الإيمان دينا يدينون به ويتناصرون ويدعون الناس إليه، وأهل الكفر يدينون بدين يتناصرون به ويعاون بعضهم بعضا، فصار لكل واحد من الفريقين موالاة في ما بينهم موالاة الدين، وأما المنافقون فإنهم لا دين لهم يدينون به، ولا مذهب ينتحلونه، ولا يناصر بعضهم بعضا، ولا يعاون بعضهم بعضا ولا يجري بينهم التناصر والتعاون، فإنما هم عباد النعمة والسعة؛ مالوا حيثما مالت النعمة والسعة، فلا موالاة في ما بينهم لما ذكرنا. وفي قوله: (والمنافقات) دلالة أن من نافق بالتقليد لآخر ومن نافق لا بتقليد سواء في استيجاب الاسم والتعذيب في ذلك والوعيد؛ لأن النساء هن أتباع وأهل تقليد، ثم سوى بينهم وبين النساء في الاسم والوعيد.
وقوله تعالى: (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) يحتمل قوله: (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) أي ما تنكره العقول، وهو الشرك بالله، والخلاف له، (وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ) أي ينهون عن ما تعرفه العقول، وتستحسنه، وهو التوحيد لله والإيمان به، ويدخل في ذلك كل خير وحسن، وفي المنكر يدخل الشرك وكل معصية. وقوله تعالى: (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) قيل: (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن الإنفاق في سبيل الخير. لكن يحتمل أن يكون على التمثيل لا على تحقيق قبض اليد، ولكن على كف النفس ومنعها من الاشتغال بالخيرات وخوضها فيها وفي جميع الطاعات، ولكنه ذكر باليد لما بالأيدي يعمل وبها تكتسب الخيرات والسيئات كقوله: (ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم) [آل عمران: 181-182]... وجائز أن يكون ما ذكر من قبض كناية عن بخلهم وقلة إنفاقهم في الجهاد كقوله: (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) [التوبة: 54]. وقوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) قيل فيه بوجوه: أحدها: جعلوا الله عز وجل كالشيء المنسي، لا يذكرونه أبدا، فنسيهم؛ أي جعلهم كالمنسيين في الآخرة من رحمته لا ينالونها. والثاني: يحتمل (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي نسوا نعم الله التي أنعمها عليهم فلم يشكروها، فنسيهم على المجازاة لذلك، وإن لم يكن نسيا كما سمى جزاء السيئة سيئة، وإن لم يكن الثاني سيئة، فعلى ذلك ذكر النسيان على مجازاة النسيان، وإن لم يحتمل النسيان. والثالث: (نَسُوا اللَّهَ) أي بسؤال المعونة والنصرة وسؤال التوفيق (فنسيهم) الله، أي لم ينصرهم ولم يوفقهم.
وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فإن قيل: اسم النفاق أشر وأقبح من اسم الفسق، فما معنى ذكر الفسق لهم؟ فهو، والله أعلم، لأنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين باللسان، فأخبر أنهم ليسوا على ما أظهروا، والله أعلم، وأن يكون اسم النفاق أشر وأقبح عند الناس من اسم الفسق فعندهم يحتمل أن يكون اسم الفسق أكبر في القبح، أو سماهم فاسقين لما أن كل أهل هذه الأديان يأنفون من النسبة إلى الفسق والتسمية به، وأن يكونوا يعلمون في أنفسهم أنهم أهل نفاق، ولا يعرفون أنهم فسقة. وأصل الفسق هو الخروج عن أمر الله...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المؤمِنُ بالمؤمِن يَتَقَوَّى، والمنافقُ بالمنافق يتعاضد، وطيور السماء على أُلاَّفِها تَقَعُ؛ فالمنافِقُ لصاحبه أسٌّ به قوامه، وأصلٌ به قيامه؛ يُعِينُه على فساده، ويُعَمِّي عليه طريقَ رشادِه. والمؤمِنُ ينصر المؤمنَ ويُبَصِّره عيوبَه، ويُبغضُ لديه ويُقَبِّحُ -في عينيه- ذنوبَه، وهو على السدادِ يُنْجِدُه، وعن الفسادِ يُبْعِده. قوله جلّ ذكره: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} عن طلب الحوائج من الله تعالى. قوله جلّ ذكره: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}: جازاهم على نسيانهم، فسمَّى جزاءَ النسيانِ نسياناً. تركوا طاعتَه، وآثروا مُخالَفَته، فَتَرَكَهُم وما اختاره لأنفسهم، قال تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17]...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ} أريد به نفي أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم في قولهم: {وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ} [التوبة: 56] وتقرير قوله: {وَمَا هُم مّنكُمْ} [التوبة: 56] ثم وصفهم بما يدلّ على مضادة حالهم لحال المؤمنين {يَأْمُرُونَ بالمنكر} بالكفر والمعاصي {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف} عن الإيمان والطاعات
{وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} شحا بالمبارّ والصدقات والإنفاق في سبيل الله {نَسُواْ الله}: أغفلوا ذكره {فَنَسِيَهُمْ} فتركهم من رحمته وفضله {هُمُ الفاسقون} هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرّد في الكفر والانسلاخ عن كل خير، وكفى المسلم زاجراً أن يلم بما يكسبه هذا الاسم الفاحش الذي وصف الله به المنافقين حين بالغ في ذمهم، وإذا كره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلم أن يقول كسلت، لأن المنافقين وصفوا بالكسل في قوله: {كسالى} [النساء: 142] فما ظنك بالفسق...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين سبحانه أفعالاً وأقوالاً لطوائف من المنافقين -منهم من كان معه صلى الله عليه وسلم في العسكر- هي في غاية الفساد، كان ذلك ربما اقتضى أن يسأل عن المتخلفين لو خرجوا ما كان يكون حالهم؟ فقال جواباً عن ذلك واستدلالاً على أن إجرام الذين لم يعف عنهم منهم خلق لازم: {المنافقون والمنافقات} أي الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفران {بعضهم} ولما كان مرجعهم الجمود على الهوى والطبع والعادة والتقليد من التابع منهم للمتبوع، قال: {من بعض} أي في صفة النفاق هم فيها كالجسد الواحد، أمورهم متشابهة في أقوالهم وأفعالهم وجميع أحوالهم، والقصد أن حالهم يضاد حال أهل الإيمان ولذلك بينه بقوله: {يأمرون بالمنكر} أي مما تقدم من الخبال والإيضاع في الخلال وغير ذلك من سيء الخصال {وينهون عن المعروف} أي من كل ما يكون فيه تعظيم الإسلام وأهله، يبغون بذلك الفتنة {ويقبضون أيديهم} أي يشحون فلا ينفقون إلا وهم كارهون. ولما كان كأن قيل: أما خافوا بذلك من معاجلة العقاب؟ أجاب بقوله: {نسوا الله} أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه، ويصلح أن يكون علة لما تقدم عليه؛ ولما أقدموا على ذلك، سبب عنه قوله: {فنسيهم} أي فعل بهم فعل الناسي لما استهان به بأن تركهم من رحمته، فكان ذلك الترك سبباً لحلول نقمته؛ ولما تطبعوا بهذه النقائص كلها، اختصوا بكمال الفسق فشرح ذلك في أسلوب التعجيب من حالهم فقال مظهراً موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف: {إن المنافقين هم} أي خاصة {الفاسقون} أي الخارجون عن دائرة ما ينفعهم من الطاعة الراسخون في ذلك، فقد علم بهذا أنهم لو غزوا فعلوا فعل هؤلاء سواء لأن الكل من طينة واحدة...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذا بيان عام لحال جميع المنافقين ذكرانهم وإناثهم، مقرون بالوعيد الشديد على ما أعد لهم من الجزاء مع إخوانهم الكفار على فسادهم وإفسادهم، يتلوه ضرب المثل لهم بحال أمثالهم من الأمم قبلهم. فاتصالها بما قبلها من بيان شؤون المنافقين المتعلقة بغزوة تبوك هو من قبيل التناسب بين القواعد العلمية في الأخلاق، والسنن العامة في روابط الاجتماع، وبين الوقائع الخاصة التي تعد من الشواهد على هذه القواعد والسنن. قال عزَّ وجلَّ: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} أي أهل النفاق من الرجال والنساء متشابهون فيه وصفاً وعملاً كأن كلاً منهم عين الآخر كما قيل: تلك العصا من هذه العصيّة هل تلد الحية إلا حية، وكما قال تعالى في آل إبراهيم وآل عمران: {ذرية بعضها من بعض} [آل عمران: 34]، وفي استجابته لدعاء الذاكرين المتفكرين {لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل عمران: 195]، ثم بين هذا التشابه بقوله: {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم}، المنكر الشرعي ما ينكره الشرع ويستقبحه، والمنكر العقلي والفطري ما تستنكره العقول الراجحة والفطر السليمة، لمنافاته للفضائل والمنافع الفردية والمصالح العامة، والشرع هو القسطاس المستقيم في ذلك كله، والمعروف ما يقابل المنكر مقابلة التضاد، ومن المنكر الذي يأمر به بعضهم بعضا الكذب والخيانة وإخلاف الوعود والفجور والغدر بنقض العهود، قال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) رواه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، وفي حديث آخر (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)، رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن الثلاثة من حديث عبد الله بن عمرو. ومن المعروف الذي ينهون عنه الجهاد وبذل المال في سبيل الله للقتال وغير القتال كقولهم الذي ذكر في سورتهم: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} [المنافقون: 7]. وقبض الأيدي ضم أصابعها إلى باطن الكف، وهو كناية عن الامتناع من البذل، كما أن بسط اليد كناية عن الإنفاق والبذل، فهم ينهون الناس عن البذل، ويمتنعون منه بالفعل، واقتصر من منكراتهم الفعلية على هذا لأنه شرها وأضرها، وأقواها دلالة على النفاق، كما أن الإنفاق في سبيل الله أقوى الآيات على الإيمان، والآيات في هذا الإنفاق كثيرة جدا، تقدم كثير منها في سورتي البقرة والأنفال وهذه السورة: {نسوا الله فنسيهم} أي نسوا الله أن يتقربوا إليه بالإنفاق في سبيله وغير ذلك من فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، يعني أنهم لرسوخهم في الكفر لم يعد يخطر ببالهم أن له تعالى عليهم حق الطاعة والشكر، فهم لا يذكرونه بشي من أعمالهم، وإنما يتبعون فيها أهواءهم من الرياء ووسوسة الشيطان. وقد حذرهم ربهم طاعة الشيطان ولا سيما في البخل فقال: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا} [البقرة: 268]، الفحشاء ما فحش قبحه وعظم كالزنا واللواط والبخل الشديد، وفسرت به في الآية كما فسر الفاحش بالبخيل في قول طرفة بن العبد في معلقته: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدِّدِ وأما نسيان الله تعالى لهم فهو عبارة عن مجازاتهم على نسيانهم إياه بحرمانهم من فوائد ذكره، وفضيلة التقرب إليه بالإنفاق والجهاد في سبيله، وغير ذلك من توفيقه ولطفه في الدنيا، وحرمانهم من الثواب على ذلك في الآخرة كما سيأتي قريباً في قوله: {حبطت أعمالهم} [البقرة: 217]، فالمراد بالنسيان لازمه، وهو جعلهم كالمنسي الذي لا يتعهد ولا يعتنى بشأنه، لا كالمنسي مطلقاً. {إن المنافقين هم الفاسقون} الراسخون في الفسوق -وهو الخروج من محيط الإيمان وفضائله- الناكبون عن صراطه المستقيم إلى طرق الشيطان ورذائله، وقد تقدم قريباً قوله تعالى: {إنكم كنتم قوماً فاسقين} [التوبة: 53]، وهو في طائفة منهم، فلم يذكر بصيغة الحصر؛ لأنه لا يصح فيهم، وإنما صح هنا لأنه في جنس المنافقين، والحصر فيهم إضافي، فهم أشد فسوقاً من جميع أجناس العصاة، حتى الكفار الذين يعتقدون صحة عقائدهم الباطلة وتعاليمهم المنكرة فلا يبلغ فسوقهم وخروجهم من طاعة الله بمخالفة دينهم، ولا الخروج من فضائل الفطرة السليمة، حد فسوق المنافقين الذين يخالف ظاهرهم باطنهم، والمرجع في تفصيل حالهم إلى ما تقدم من الآيات في أوائل سورة البقرة وفي آيات من سورة النساء، وناهيك بما تقدم من هذه السورة وما تأخر. ثم قفى تعالى على بيان حالهم هذه بذكر ما أعده لهم ولإخوانهم الكفار من العقاب فقال: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها}...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعندما يصل السياق إلى هذا الحد في استعراض تلك النماذج من أقوال المنافقين وأعمالهم وتصوراتهم، يعمد إلى تقرير حقيقة المنافقين بصفة عامة، وعرض الصفات الرئيسية التي تميزهم عن المؤمنين الصادقين، وتحديد العذاب الذي ينتظرهم أجمعين: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم. نسوا اللّه فنسيهم. إن المنافقين هم الفاسقون. وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها؛ هي حسبهم، ولعنهم اللّه، ولهم عذاب مقيم). المنافقون والمنافقات من طينة واحدة، وطبيعة واحدة. المنافقون في كل زمان وفي كل مكان. تختلف أفعالهم وأقوالهم، ولكنها ترجع إلى طبع واحد، وتنبع من معين واحد. سوء الطوية ولؤم السريرة، والغمز والدس، والضعف عن المواجهة، والجبن عن المصارحة. تلك سماتهم الأصيلة. أما سلوكهم فهو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والبخل بالمال إلا أن يبذلوه رئاء الناس. وهم حين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف يستخفون بهما، ويفعلون ذلك دساً وهمساً، وغمزاً ولمزاً، لأنهم لا يجرؤون على الجهر إلا حين يأمنون. إنهم (نسوا الله) فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، ولا يخشون إلا الأقوياء من الناس يذلون لهم ويدارونهم (فنسيهم) الله فلا وزن لهم ولا اعتبار. وإنهم لكذلك في الدنيا بين الناس، وإنهم لكذلك في الآخرة عند الله. وما يحسب الناس حساباً إلا للرجال الأقوياء الصرحاء، الذين يجهرون بآرائهم، ويقفون خلف عقائدهم، ويواجهون الدنيا بأفكارهم، ويحاربون أو يسالمون في وضح النهار. أولئك ينسون الناس ليذكروا إله الناس، فلا يخشون في الحق لومة لائم، وأولئك يذكرهم الله فيذكرهم الناس ويحسبون حسابهم. (إن المنافقين هم الفاسقون). فهم خارجون عن الإيمان، منحرفون عن الطريق، وقد وعدهم الله مصيراً كمصير الكفار:...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... وقد شمل قوله: {بعضهم من بعض} جميع المنافقين والمنافقات، لأنّ كلّ فرد هو بعض من الجميع، فإذا كان كلّ بعض متّصلاً ببعض آخر، عُلم أنّهم سواء في الأحوال.
وجملة {يأمرون بالمنكر} مبيِّنة لمعنى الاتّصال والاستواءِ في الأحوال.
والمنكر: المعاصي لأنّها ينكرها الإسلام.
والمعروف: ضدّها، لأنّ الدين يعرفه، أي يرضاه، وقد تقدّما في قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} في سورة آل عمران (104).
وقبض الأيدي: كناية عن الشحّ، وهو وصف ذمّ لدلالته على القسوة، لأنّ المراد الشحّ على الفقراء.
والنسيانُ منهم مستعار للإشراك بالله، أو للإعراض عن ابتغاء مرضاته وامتثالِ ما أمر به، لأنّ الإهمال والإعراض يشبه نسيان المعرَض عنه.
ونسيان الله إيَّاهم مُشاكلة أي حرمانه إياهم ممّا أعدَّ للمؤمنين، لأنّ ذلك يشبه النسيان عند قسمة الحظوظ.
وجملة: إن المنافقين هم الفاسقون} فذلكة للتي قبلها فلذلك فصلت لأنّها كالبيان الجامع.
وصيغة القصر في {إن المنافقين هم الفاسقون} قصر ادّعائي للمبالغة لأنّهم لمّا بلغوا النهاية في الفسوق جعل غيرهم كمن ليس بفاسق.
والإظهار في مقام الإضمار في قوله: {إن المنافقين} لزيادة تقريرهم في الذهن لهذا الحكم. ولتكون الجملة مستقلّة حتّى تكون كالمثل.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن المنافقين ينعزلون عن الجماعة المؤمنة، فهم في نفرة عنهم، ويكونون أنفسهم جماعة موحدة يجمعها فكر عام موحد يناقض الجماعة العامة التي يعيشون فيها، فلا يرضيهم ما يرضي الجماعة بل يخالفونها، ويناقضونها فيما تفكر وفيما تعمل، فقد عزلوا أنفسهم عنها، فإذا كانت الجماعة العامة متضافرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم عكسوا، معروفهم منكر عند جماعة المؤمنين، ومنكرهم هو المعروف، ولذا قال تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} أي أنهم كل متصل الأجزاء، ولايتهم واحدة وتناصرهم واحد، وفي هذا تكذيب ليمينهم الكاذب فيما نقله سبحانه عنهم {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم}، وهو تأكيد لما قال سبحانه في نفى أنهم منكم. ولقد أشار سبحانه وتعالى إلى أنهم متضافرون في أسرهم، فأسرهم في الجملة منافقة، ولذا ذكر سبحانه وتعالى المنافقات والمنافقين، وقال تعالى: {بعضهم من بعض}، أي أنهم لحمة متصلة يتغذى بعضهم بلبان النفاق من بعض، فهم بيئة واحدة يغذيها لبن النفاق، أو بالأحرى سمه. وقد ذكر سبحانه أحوالهم: أولاها: أنهم ينشرون الفساد في الفكر والعمل، فلهم رأي عام يخصهم يسوده الفساد في النفوس والأخلاق، يشجع الرذيلة ويتهكم على الفضيلة، وعبر سبحانه تعالى عن ذلك بقوله: {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} يشجعون كل ما هو شر، ويمنعون كل ما هو خير، معروفهم منكر، ومنكرهم هو المعروف، وهكذا يقضى الله على بعض الجماعات الإنسانية بالشر، كما نرى الآن من منافقي عصرنا، فعدلهم ظلم وحريتهم اعتداء، وشوراهم استبداد. الثانية: أنهم غير متعاونين في ذات أنفسهم، وفي جماعتهم فلا ينفقون في خير قط، والشح يستولي على أنفسهم، ولا يجعلون أنفسهم في وقاية منه، بين تعالى في ذلك الوصف بقوله تعالى: {ويقبضون أيديهم} القبض ضد البسط، وقبض اليد غلها عن الإنفاق، فعبر عن عدم الإنفاق في موضعه بقبض اليد، كما عبر عن الإنفاق في موضعه ببسط اليد، كما قال تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} (المائدة 64). الثالثة: أنهم ينسون الخير نسيانا، فإذا ذكر لهم الخير تهكموا بصاحبه، وقالوا مستهزئين متهكمين بمن يتكلم في الفضيلة، وهذا عبر الله عنه بقوله: {نسوا الله فنسيهم} أي نسوا الله تعالى فلا تذكره قلوبهم، ولا تطمئن به، إن القلوب إذا نسيت الله لا تطيع أمره، ولا تجتنب نواهيه، ونسيان الله تعالى ألا يوفقهم لخير، وأن يجعلهم منغمسين في الشر الذي اختاروه والضلال الذي أحيط بهم. وإن المنافقين قد ينفقون في حالين: إحداهما أن يستروا نفاقهم، كما كان المعتذرون المتخلفون عن الجهاد يعتذرون عن الخروج، ويقولون هذه أموالنا خذوا منها ما شئتم. والحال الرابعة- أن ينفقوا في الشر لتأييد الفاسدين، وقد نسوا رقابة الله، فنسيهم أي فتركهم يرتعون ويعبثون حتى يوم الحساب. ولقد قال تعالى حاكما عليهم: {إن المنافقين هم الفاسقون} الفسق هو الخروج والتمرد على الحقائق، وهو هنا أشد من الكفر، فهم كافرون بنفاقهم إذ يسترون الكفر، ويظهرون الإسلام، وبهذه المساوئ التي أشار إليها الكتاب العزيز، فيتمردون على الله، ويعاندونه، ويحادونه إذ يحادون الحق...
ثم يعود سبحانه وتعالى إلى الأحكام التكليفية، وعادة تكون الأحكام التكليفية من الله كلها على الذكورة، وليس فيها على الأنوثة إلا قليل من الآيات مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن} (الحجرات 11). وقوله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى} (النحل 97). أما باقي الأحكام فتنصب على الذكورة، وتدخل الإناث في الأحكام لأن الأنوثة مبينة على الستر في الذكورة، لكنه كان لا بد هنا من ذكر المنافقين والمنافقات كل على حدة، لأن للرجال مجالس، وللنساء مجالس، ولكل منهما أفعال وأقوال تختلف عن الآخرين.. ولذلك كان لابد من النص على المنافقات. وقول الحق سبحانه: {بعضهم من بعض} أي: لا يتميز أحد من المنافقين والمنافقات عن الآخر في الخسة والقبح والفضائح، ويحدد الله خصالهم في قوله تعالى: {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم} فهم إن فعل الناس معروفا ينهوهم عنه، بل إنهم يشجعونهم عل فعل المنكر، وهم لا ينفقون في سبيل الله إذا طلب منهم الإنفاق. ثم يقول الحق سبحانه: {نسوا الله فنسيهم} وهل ينسى الحق سبحانه وتعالى بالفطرة؟ لا، ولكن المقصود أنهم نسوا مطلوبات الله وتكاليفه فنسيهم الله أي أهملهم، فمن يبعد عن الله يزده الله بعدا، مصداقا لقوله تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} (البقرة 10) ثم يعطي الحق سبحانه وتعالى الحكم: {إن المنافقين هم الفاسقون}... والفسوق معناه الخروج عن منهج الطاعة...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
البحث في هذه الآيات يدور كالسابق حول سلوك المنافقين وعلاماتهم وصفاتهم، فالآية الأُولى من هذه الآيات تشير إلى أمر كلّي، وهو أن روح النفاق يمكن أن تتجلّى بأشكال مختلفة وتبدو في صور متفاوتة بحيث لا تلفت النظر في أوّل الأمر، خصوصاً أن روح النفاق هذه يمكن أن تختلف بين الرجل والمرأة، لكن يجب أن لا يخدع الناس بتغيير صور النفاق بين المنافقين، المنافقين يشتركون في مجموعة من الصفات تعتبر العامل المشترك فيما بينهم، لذلك يقول الله سبحانه: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض). وبعد ذلك يشرع القرآن الكريم في ذكر خمس صفات لهؤلاء:
الأُولى والثّانية: إنّهم يدعون الناس إلى فعل المنكرات ويرغبونهم فيها من جهة، ويُبعدونهم وينهونهم عن فعل الأعمال الصالحة من جهة أُخرى (يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) أي أنّهم يسلكون طريقاً ويتّبعون منهاجاً هو عكس طريق المؤمنين تماماً، فإنّ المؤمنين يسعون دائماً عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إِلى أن يصلحوا المجتمع وينقوه من الشوائب والفساد، بينما يسعى المنافقون إِلى إفساد كل زاوية في المجتمع واقتلاع جذور الخير والأعمال الصالحة من بين الناس من أجل الوصول إِلى أهدافهم المشؤومة، ولا شك أنّ وجود مثل هذا المحيط الفاسد والبيئة الملوّثة ستساعدهم كثيراً في تحقيق أهدافهم.
الثّالثة: إنّ هؤلاء بخلاء لا يتمتعون بروح الخير للناس فلا ينفقون في سبيل الله، ولا يعينون محروماً، ولا يستفيد أقوامهم ومعارفهم من أموالهم، فعبّر عنهم القرآن: (ويقبضون أيديهم) ولا شك أنّ هؤلاء إنّما يبخلون بأموالهم لأنّهم لا يؤمنون بالآخرة والثواب والجزاء المضاعف لمن أنفق في سبيل الله، بالرغم من أنّهم كانوا يبذلون الأموال الطائلة من أجل الوصول إِلى أغراضهم وآمالهم الشريرة الدنيئة، وربّما بذلوها رياء وسمعة، لكنّهم لا يقدمون على البذل على أساس الإِخلاص لله سبحانه وتعالى.
الرّابعة: إِنّ كل أعمالهم وأقوالهم وسلوكهم يوضح أن هؤلاء قد نسوا الله، والوضع الذي يعيشونه يبيّن أن الله قد نسيهم في المقابل، وبالتالي فإنّهم قد حُرموا من توفيق الله وتسديده ومواهبة السنية، أي أنّه سبحانه قد عاملهم معاملة المنسيين، وآثار وعلامات هذا النسيان المتقابل واضحة في كل مراحل حياتهم، وإلى هذا تشير الآية: (نسوا الله فنسيهم). وهنا نودّ الإِشارة إِلى أن نسبة النسيان إِلى الله جلّ وعلا ليست نسبة واقعية وحقيقية كما هو المعلوم بديهة بل هي كناية عن معاملة لهؤلاء معاملة الناسي، أي إنّه لا يشملهم برحمته وتوفيقه لأنّهم نسوه في البداية، ومثل هذا التعبير متداول حتى في الحياة اليومية بين الناس، فقد نقول لشخص مثلا: إِنّنا سوف ننساك عند إعطاء الأجرة أو الجائزة لأنّك قد نسيت واجبك، وهذا تعبير يعني أنّنا سوف لا نعطيه أجره ومكافأته...
وممّا ينبغي الالتفات إِليه أنّ موضوع نسيان الله تعالى قد عطف بفاء التفريع على نسيان هؤلاء القوم، وهذا يعني أنّ نتيجة نسيان هؤلاء لأوامر الله تعالى وطغيانهم وعصيانهم هي حرمانهم من مواهب الله ورحمته وعنايته.
الخامسة: إنّ المنافقين فاسقون وخارجون من دائرة طاعة أوامر الله سبحانه وتعالى، وقالت الآية: (إِنّ المنافقين هم الفاسقون). ونلاحظ أنّ هذه الصفات المشتركة متوفرة في المنافقين في كل الاعصار. فمنافقو عصرنا الحاضر وإِن تلبسوا بصور وأشكال جديدة، إلاّ أنّهم يتحدون في الصفات والأُصول المذكورة أعلاه مع منافقي العصور الغابرة، فإنّهم كسابقيهم يدعون الناس إِلى الفساد ويرغبونهم فيه، وينهون الناس عن فعل الخير ويمنعونهم إن استطاعوا، وكذلك في بخلهم وإِمساكهم وعدم إِنفاقهم، وبعد كل ذلك فإنّهم يشتركون في الأصل الأهم، وهو أنّهم قد نسوا الله سبحانه وتعالى في جميع مراحل حياتهم، وتعديهم على قوانينه وفسقهم. وممّا يثير العجب أنّ هؤلاء بالرغم من كل هذه الصفات القبيحة السيئة يدّعون الإِيمان بالله والاعتقاد الرصين بأحكام الدين الإِسلامي وأُصوله ومناهجه!...