النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (67)

قوله عز وجل : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم من بَعْضٍ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن بعضهم يجتمع مع بعض على النفاق .

والثاني : أن بعضهم يأخذ نفاقه من بعضٍ . وقال الكلبي : بعضهم على دين بعض .

{ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } في المنكر والمعروف قولان :

أحدهما : أن المنكر كل ما أنكره العقل من الشرك ، والمعروف : كل ما عرفه العقل من الخير{[1263]} .

والثاني : أن المعروف في كتاب الله تعالى كله الإيمان ، والمنكر في كتاب الله تعالى كله الشرك ، قاله أبو العالية .

{ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } فيه أربعة أقاويل :

أحدها : يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله تعالى ، قاله الحسن ومجاهد .

والثاني : يقبضونها عن كل خير ، قاله قتادة .

والثالث : يقبضونها عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله بعض المتأخرين .

والرابع : يقبضون أيديهم عن رفعها في الدعاء إلى الله تعالى .

{ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } أي تركوا أمره فترك رحمتهم{[1264]} .

قال ابن عباس : كان المنافقون بالمدينة من الرجال ثلاثمائة ، ومن النساء سبعين ومائة امرأة .

وروى مكحول عن أبي الدرداء أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة المنافق : فقال : " إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ ، وَإِذا وَعَدَ أَخلَفَ ، وَإِذَ خَاصَمَ فَجَرَ ، وَإِذَا عَاهَدَ نَقَضَ ، لاَ يَأْتِي الصَّلاَةَ إِلاَّ دُبُراً وَلاَ يَذْكُرِ اللَّهَ إِلاَّ هَجْراً " {[1265]} .


[1263]:في ق تعليق يقول: هذا اعتقاد المعتزلة، والذي عليه جميع أهل السنة والجماعة أن المنكر ما أنكره الشرع، والمعروف كل ما عرفه الشرع. أقول: وهذا شبيه باختلافهم في تعريف الحسن والقبح.
[1264]:وقيل تركهم الله في الحرمان والخذلان. وقال قتادة: نسيهم أي من الخير، فأما من الشر فلم ينسهم.
[1265]:رواه البخاري ومسلم في الإيمان.