نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (67)

ولما بين سبحانه أفعالاً وأقوالاً لطوائف من المنافقين - منهم من كان معه صلى الله عليه وسلم في العسكر - هي في غاية الفساد ، كان ذلك ربما اقتضى أن يسأل عن المتخلفين لو خرجوا ما كان يكون حالهم{[36674]} ؟ فقال جواباًُ عن ذلك واستدلالاً على أن إجرام الذين لم يعف عنهم منهم خلق لازم : { المنافقون والمنافقات } أي الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفران { بعضهم } ولما كان مرجعهم الجمود على الهوى والطبع والعادة والتقليد من التابع{[36675]} منهم للمتبوع ، قال : { من بعض } أي في صفة النفاق هم فيها كالجسد الواحد ، أمورهم متشابهة في أقوالهم وأفعالهم وجميع أحوالهم ، والقصد أن حالهم يضاد حال أهل الإيمان ولذلك بينه بقوله : { يأمرون بالمنكر } أي مما تقدم من الخبال{[36676]} والإيضاع في الخلال وغير ذلك من سيء الخصال { وينهون عن المعروف } أي من كل ما يكون فيه تعظيم الإسلام وأهله ، يبغون بذلك الفتنة { ويقبضون أيديهم } أي يشحون فلا ينفقون إلا وهم كارهون .

ولما كان كأن قيل : أما خافوا بذلك من معاجلة العقاب ؟ أجاب بقوله : { نسوا الله } أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه ، ويصلح أن يكون علة لما تقدم عليه ؛ ولما أقدموا على ذلك ، سبب عنه قوله : { فنسيهم } أي فعل بهم فعل الناسي{[36677]} لما استهان به بأن تركهم من رحمته ، فكان ذلك الترك سبباً لحلول نقمته ؛ ولما تطبعوا بهذه النقائص كلها ، اختصوا بكمال الفسق فشرح ذلك في أسلوب التعجيب{[36678]} من حالهم فقال مظهراً موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف{[36679]} : { إن المنافقين هم } أي خاصة { الفاسقون * } أي الخارجون عن دائرة ما ينفعهم من الطاعة الراسخون في ذلك ، فقد علم بهذا{[36680]} أنهم لو غزوا فعلوا فعل هؤلاء سواء لأن الكل من طينة واحدة .


[36674]:من ظ، وفي الأصل: حالتهم.
[36675]:في ظ: المتابع.
[36676]:في ظ: الجبال.
[36677]:زيدت الواو بعده في ظ.
[36678]:في ظ: التعجب.
[36679]:زيد من ظ.
[36680]:في ظ: بذلك.