فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (67)

{ المنافقون } وكانوا ثلثمائة { والمنافقات } وكن مائة وسبعين { بعضهم من بعض } أي متشابهون في الدين كأبعاض الشيء الواحد ، ذكر ههنا جملة أحوال المنافقين وأن ذكورهم في ذلك كإناثهم وأنهم متناهون في النفاق والبعد عن الإيمان ، وفيه إشارة إلى نفي أن يكونوا من المؤمنين ورد لقولهم { ويحلفون بالله إنهم لمنكم } .

ثم فصل ذلك المجمل ببيان مضادة حالهم لحال المؤمنين فقال : { يأمرون } أي يأمر بعضهم بعضا { بالمنكر } هو كل قبيح عقلا أو شرعا { وينهون عن المعروف } هو كل حسن عقلا أو شرعا ، قال الزجاج : هذا متصل بقوله يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ، أي ليسوا من المؤمنين ولكن بعضهم من بعض ، أي متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف .

{ ويقبضون أيديهم } أي يشحون فيما ينبغي إخراجه من المال في الصدقة والصلة والجهاد ، فالقبض كناية عن الشح كما أن البسط كناية عن الكرم { نسوا الله فنسيهم } النسيان الترك ، أي تركوا ما أمرهم به فتركهم من رحمته وفضله أو تركوا ذكر الله وعبادته فترك الله ذكرهم فيمن ذكرهم بالرحمة والإحسان . لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه ، وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ، فهو مجاز مرسل .

ثم حكم عليهم بالفسق فقال : ( إن المنافقين هم الفاسقون ) الفسق الخروج عن طاعة الله إلى معاصيه والإنسلاخ من كل خير ، وهذا التركيب يفيد أنهم هم الكاملون في الفسق والتمرد والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير أو للإهانة والتحقير ، فإن الإظهار كما يأتي للتعظيم يأتي للتحقير كما نص عليه بعضهم .