المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (67)

هذا ابتداء إخبار عنهم وحكم من الله تعالى عليهم بما تضمنته الآية ، فقوله { بعضهم من بعض } يريد في الحكم والمنزلة من الكفر ، وهذا نحو قولهم الأذنان من الرأس يريدون في حكم المسح وإلا فمعلوم أنهما من الرأس ، ولما تقدم قبل «وما هم منكم »{[5771]} حسن هذا الإخبار ، وقوله { يأمرون بالمنكر } يريد بالكفر وعبادة غير الله وسائر ذلك من الآية لأن المنافقين الذين نزلت هذه الآيات فيهم لم يكونوا أهل قدرة ولا أفعال ظاهرة وذلك بسبب ظهور الإسلام وكلمة الله عز وجل ، و «القبض » هو عن الصدقة وفعل الخير ، وقوله تعالى : { نسوا الله فنسيهم } أي تركوه حين تركوا نبيه وشرعته فتركهم حين لم يهدهم ولا كفاهم عذاب النار ، وإنما يعبر بالنسيان عن الترك مبالغة إذا بلغ وجوه الترك الوجه الذي يقترن به نسيان ، وعلى هذا يجيء { ولا تنسوا الفضل بينكم }{[5772]} { ولا تنس نصيبك من الدنيا }{[5773]} ثم حكم عليهم عز وجل بالفسق وهو فسوق الكفر المقتضي للخلود في النار .

وكان قتادة يقول { فنسيهم } أي من الخير ولم ينسهم من الشر .


[5771]:- تقدم ذلك في الآية (56) من هذه السورة في جملة الحديث عن المنافقين.
[5772]:- من الآية (237) من سورة (البقرة).
[5773]:- من الآية (77) من سورة (القصص).