اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (67)

قوله تعالى : { المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } الآية .

لمَّا شرح أنواع قبائح أفعالهم ، بيَّن أنَّ إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة .

قوله : { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } مبتدأ وخبر ، أي : من جنس بعض ، ف " من " هنا لبيان الجنس وقيل : للتبعيض ، أي : إنَّهم إنما يتوالدون بعضهم من بعض على دينٍ واحدٍ ، وقيل : أمرهم واحد بالاجتماع على النفاقِ ، ثمَّ فصَّل هذا الكلام فقال : " يَأْمُرُونَ بالمنكر " . هذه الجملةُ لا محلَّ لها ؛ لأنَّها مفسرةٌ لقوله : " بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ " ، وكذلك ما عطف على " يَأْمُرُون " ولفظ المنكر يدخلُ فيه كل قبيح ، ولفظ المعروف يدخلُ فيه كل حسن ، إلاَّ أنَّ الأعظم ههنا من المنكر الشرك والمعصية ، والمراد الأعظم ههنا من المعروف الإيمان بالرسول { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } أي : يمسكونها عن الصَّدقة ، والإنفاق في سبيل الله . { نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ } تركوا طاعة الله فتركهم من توفيقه وهدايته في الدُّنيا ومن رحمته في العقبى .

وإنَّما حملنا النِّسيان على التَّركِ ، لأنَّ من نسي شيئاً لم يذكره ، فجعل اسم الملزوم كناية عن اللاَّزم ، ولأنَّ النسيان ليس في وسع البشر ، وهو في حق الله تعالى محال فلا بد من التأويل ، وهو ما ذكرنا من التَّرك ؛ لأنَّهم تركوا أمر الله حتى صارُوا كالنسي المنسي ، فجازاهم بأنَّ صيَّرهم كالشَّيء المنسيّ ، كقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ثم قال : { إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ } أي : الكاملُونَ في الفِسْقِ .