التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

وقوله : { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } تفريع على النهي ، وترهيب من العقاب الذي سيصيب المتبعين للشيطان .

قال القرطبي : وأصل الزلل في القدم ، ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك .

يقال : زل يزل زلا وزللا وزلولا ، أي : دحضت قدمه .

والبينات : جمع بينة ، وهي الأدلة والمعجزات ، ومجيئها : ظهورها .

والمعنى : فإن تنحيتم عن طريق الحق ، وعدلتم عنه إلى الباطل ، من بعد أن ظهرت لكم الأدلة المفرقة بين الصواب والخطأ ، والتي تدعوكم إلى اتباع طريق الحق ، فاعلموا أن الله { عَزِيزٌ } لا يقهر ولا يعجزه الانتقام ممن زل { حَكِيمٌ } لا يترك ما تقتضيه الحكمة وإنما يضع الأمور في مواضعها .

وجيء في الشرط بإن ، لندرة حصول الزلل من المؤمنين ، إذ الشأن فيهم ذلك .

وقوله : { فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } جواب الشرط .

وقوله : { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات } قطع لعذرهم حتى لا يقولوا يوم الحساب إننا زللنا لأننا لا نعرف الحق من الباطل . وفي الآية دليل على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به - كما قال القرطبي - .

وقال الفخر الرازي ما ملخصه : " وقوله : { فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } نهاية في الوعيد ، لأنه يجمع من ضروب الخوف مالا يجمعه الوعيد بذكر العقاب . وربما قال الوالد لولده : إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي . فيكون هذا الكلام في الزجر أبلغ من ذكر الضرب وغيره . فإن قيل : أفهذه الآية مشتملة على الوعد كما أنها مشتملة على الوعيد ؟ قلنا : نعم من حيث أتبعه بقوله : { حَكِيمٌ } فإن اللائق بالحكمة أن يميز بين المحسن والمسيء ، فكما يحسن من الحكيم إيصال العذاب إلى المسيء فكذلك يحسن منه إيصال الثواب إلى المحسن ، بل هذا أليق بالحكمة وأقرب للرحمة " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

204

ثم يخوفهم عاقبة الزلل بعد البيان :

( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) . .

وتذكيرهم بأن الله( عزيز )يحمل التلويح بالقوة والقدرة والغلبة ، وأنهم يتعرضون لقوة الله حين يخالفون عن توجيهه . . وتذكيرهم بأنه( حكيم ) . . فيه إيحاء بأن ما اختاره لهم هو الخير ، وما نهاهم عنه هو الشر ، وأنهم يتعرضون للخسارة حين لا يتبعون أمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه . . فالتعقيب بشطريه يحمل معنى التهديد والتحذير في هذا المقام . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 209 )

قرأ جمهور الناس «زلَلتم » بفتح اللام ، وقرأ أبو السمال «زلِلتم » بكسرها ، وأصل الزلل في القدم ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء ويغير ذلك ، والمعنى ضللتم وعجتم( {[1953]} ) عن الحق ، و { البينات } محمد وآياته ومعجزاته إذا كان الخطاب أولاً لجماعة المؤمنين ، وإذا كان الخطاب لأهل الكتابين ، فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به ، و { عزيز } صفة مقتضية أنه قادر عليكم لا تعجزونه ، ولا تمتنعون منه ، و { حكيم } أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم .

وحكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن ، فأقرأه الذي كان يعلمه : فاعلموا أن الله غفور رحيم ، فقال كعب : إني لأستنكر( {[1954]} ) أن يكون هكذا ، ومر بهما رجل ، فقال كعب : كيف تقرأ هذه الآية ؟ فقرأ الرجل : { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } ، فقال كعب : هكذا ينبغي( {[1955]} ) .


[1953]:- يقال: عاج عن الأمر: انصرف – ويقال: ما عاج بكلام فلان: ماالتفت إليه ولا اكترث به – المعجم الوسيط.
[1954]:- لأن فيه مقابلة الزلل بالغفران، وذلك إغراء وتحريض على الزلل.
[1955]:- أي لأن العزة تقتضي القدرة على الانتقام. والحكمة تقتضي وضع الجزاء في محله.