التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

ولكن هذا الإِيقان والاعتراف منهم ، قد جاء فى غير أوانه ، ولذا لا يقبله - سبحانه - منهم ، ولذا عقب - سبحانه - على ما قالوه بقوله : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا . . . } . . أى : ولو شئنا أن نؤتى كل نفس رشدها وهداها وتوفيقها إلى الإِيمان ، لفعلنا ، لأن إرادتنا نافذة ، وقدرتنا لا يعجزها شئ .

{ ولكن حَقَّ القول مِنِّي } آى : ولكن ثبت وتحقق قولى .

{ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة } أى من الجن وسموا بذلك لاستتارهم عن الأنظار .

ومن { الناس أَجْمَعِينَ } بسبب فسوقهم عن أمرنا ، وتكذيبهم لرسلنا .

فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها شئ ، إلا أن حكمته - سبحانه - قد اقتضت أن الذين سبق فى علمه أنهم يؤثرون الضلالة على الهداية ، لسوء استعدادهم ، يكون مصيرهم إلى لانار ، وأما الذين آثروا الهداية على الضلالة لنقاء نفوسهم ، وكمال استعدادهم ، فيكون مصيرهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض .

كما أن حكمته - سبحانه - قد اقتضت أن يميز الإِنسان على غيره ، بأن يجعل له طبيعة خاصة يملك معها اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال . كما قال - تعالى - { إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } .

ثم بين - سبحانه - ما يقال لهؤلاء المجرمين عندما يلقى بهم فى جهنم فقال - تعالى - : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

والذوق حقيقة إدراك المطعومات . والأصل فيه أن يكون فى أمر مرغوب فى ذوقه وطلبه . والتعبير به هنا عن ذوق العذاب من باب التهكم بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

وقبل أن يعلن السياق جواب استخذائهم الذليل ، يقرر الحقيقة التي تتحكم في الموقف كله ؛ وتتحكم قبل ذلك في حياة الناس ومصائرهم :

( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) . .

ولو شاء الله لجعل لجميع النفوس طريقا واحدا . هو طريق الهدى ، كما وحد طريق المخلوقات التي تهتدي بإلهام كامن في فطرتها ، وتسلك طريقة واحدة في حياتها من الحشرات والطير والدواب ؛ أو الخلائق التي لا تعرف إلا الطاعات كالملائكة . لكن إرادة الله اقتضت أن يكون لهذا الخلق المسمى بالإنسان طبيعة خاصة ، يملك معها الهدى والضلال ؛ ويختار الهداية أو يحيد عنها ؛ ويؤدي دوره في هذا الكون بهذه الطبيعة الخاصة ، التي فطره الله عليها لغرض ولحكمة في تصميم هذا الوجود . ومن ثم كتب الله في قدره أن يملأ جهنم من الجنة ومن الناس الذين يختارون الضلالة ، ويسلكون الطريق المؤدي إلى جهنم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَأٓتَيۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّي لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ} (13)

ثم أخبر تعالى عن نفسه أنه لو شاء لهدى الناس أجمعين بأن يلطف بهم لطفاً يؤمنون به ويخترع الإيمان في نفوسهم ، هذا مذهب أهل السنة ، وقال بعض المفسرين تعرض عليم آية يضطرهم بها إلى الإيمان .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول بعض المعتزلة ، إلا أن من أشرنا إليه من المفسرين لم يقدر قدر القول ولا مغزاه ولذلك حكاه ، والذي يقود المعتزلة إلى هذه المقالة أنهم يرون أن من يقدر على اللطف بإنسان حتى يؤمن ولا يفعل فإن ذلك ليس من الحكمة ولا من الأمر المستقيم ، والكلام على هذه المسألة يطول وله تواليفه ، و { الجنة } الشياطين .