التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

ثم بين - سبحانه - أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا هو فقال : { يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً } .

والسائلون هنا قيل : هم اليهود ، وسؤالهم عنها كان بقصد التعنت والإِساءة إلى النبى صلى الله عليه وسلم .

أى : يسألك اليهود وأشباههم فى الكفر والنفاق عن وقت قيام الساعة ، على سبيل التعنت والامتحان لك .

{ قُلْ } لهم - أيها الرسول الكريم - { إِنَّمَا } علم وقت قيامها عند الله - تعالى - وحده ، دون أى أحد سواه .

{ وَمَا يُدْرِيكَ } أى : وما يعلمك { لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً } أى . لعل قيامها وحصولها يتحقق فى قوت قريب ، ولكن هذا الوقت مهما قرب لا يعلمه إلا علام الغيوب - سبحانه - .

ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ويشير إلى إصبعيه السبابة والوسطى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

63

( يسألك الناس عن الساعة . قل : إنما علمها عند الله . وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) . .

وقد كانوا ما يفتأون يسألون النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عن الساعة التي حدثهم عنها طويلا ؛ وخوفهم بها طويلا ؛ ووصف القرآن مشاهدها حتى لكأن قارئه يراها . يسألونه عن موعدها ؛ ويستعجلون هذا الموعد ؛ ويحمل هذا الاستعجال معنى الشك فيها ، أو التكذيب بها ، أو السخرية منها ، بحسب النفوس السائلة ، وقربها من الإيمان أو بعدها .

والساعة غيب قد اختص به الله سبحانه ، ولم يشأ أن يطلع عليه أحدا من خلقه جميعا ، بما فيهم الرسل والملائكة المقربون . وفي حديث حقيقة الإيمان والإسلام : عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثوب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام . فقال : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال : صدقت ! فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : صدقت ! قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة . قال : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . . " الخ . ثم قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] " فإنه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم " .

فالمسؤول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والسائل - جبريل عليه السلام - كلاهما لا يعلم علم الساعة ( قل : إنما علمها عند الله ) . . على وجه الاختصاص والتفرد من دون عباد الله .

قدر الله هذا لحكمة يعلمها ، نلمح طرفا منها ، في ترك الناس على حذر من أمرها ، وفي توقع دائم لها ، وفي استعداد مستمر لفجأتها . ذلك لمن أراد الله له الخير ، وأودع قلبه التقوى . فأما الذين يغفلون عن الساعة ، ولا يعيشون في كل لحظة على أهبة للقائها ، فأولئك الذين يختانون أنفسهم ، ولا يقونها من النار . وقد بين الله لهم وحذرهم وأنذرهم ، وجعل الساعة غيبا مجهولا متوقعا في أية لحظة من لحظات الليل والنهار : ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

{ يسئلك الناس عن الساعة } عن وقت قيامها استهزاء وتعنتا أو امتحانا . { قل إنما علمها عند الله } لم يطلع عليه ملكا ولا نبيا . { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } شيئا قريبا أو تكون الساعة عن قريب وانتصابه على الظرف ، ويجوز أن يكون التذكير لأن { الساعة } في معنى اليوم ، وفيه تهديد للمستعجلين وإسكات للمتعنتين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة متى هي فلم يجب في ذلك بشيء ، ونزلت الآية آمرة بأن يرد العلم فيها إلى الله تعالى إذ هي من مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها ، ثم توعد العالم بقربها في قوله { وما يدريك } الآية ، أي فينبغي أن تحذر ، و { قريباً } ظرف لفظه واحد جمعاً ، وإفراداً ، ومذكراً ومؤنثاً ، ولو كان صفة للساعة لكان قريبة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

لما كان تهديد المنافقين بعذاب الدنيا يذكِّر بالخوض في عذاب الآخرة : خوض المكذبين الساخرين ، وخوضضِ المؤمنين الخائفين ، وأهلِ الكتاب ، أتبع ذلك بهذا .

فالجملة معترضة بين جملة { ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً } [ الأحزاب : 60 ] وبين جملة { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً } [ الأحزاب : 64 ] لتكون تمهيداً لجملة { إن الله لعن الكافرين } .

وتكرر في القرآن ذكر سؤال الناس عن الساعة ، والسائلون أصناف :

منهم المكذبون بها وهم أكثر السائلين وسؤالهم تهكم واستدلال بإبطائها على عدم وجودها في أنظارهم السقيمة قال تعالى : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] وهؤلاء هم الذين كثر في القرآن إسناد السؤال إليهم معبَّراً عنهم بضمير الغيبة كقوله : { يسألونك عن الساعة } [ الأعراف : 187 ] .

وصنف مؤمنون مصدقون بأنها واقعة لكنهم يسألون عن أحوالها وأهوالها ، وهؤلاء هم الذين في قوله تعالى : { والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق } [ الشورى : 18 ] .

وصنف مؤمنون يسألون عنها محبة لمعرفة المغيبات ، وهؤلاء نُهُوا عن الاشتغال بذلك كما في الحديث : « أن رجلاً سأل رسول الله : متى الساعة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ماذا أعددتَ لها ؟ فقال الرجل : والله يا رسول الله ما أعددتُ لها كبير صلاة ولا صوم سوى أنِّي أُحب الله ورسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت " . وصنف يسأل اختباراً للنبيء صلى الله عليه وسلم لعله يجيب بما يخالف ما في علمهم فيجعلونه حجة بينهم على انتفاء نبوءته ويعلنونه في دهمائهم ليقتلعوا من نفوسهم ما عسى أن يخالطها من النظر في صدق الدعوة المحمدية . وهؤلاء هم اليهود نظير سؤالهم عن أهل الكهف وعن الروح .

ف { الناس } هنا يعم جميع الناس وهو عموم عرفي ، أي جميع الناس الذين من شأنهم الاشتغال بالسؤال عنها إذ كثير من الناس يسأل عن ذلك . وأهل هذه الأصناف الأربعة موجودون بالمدينة حين نزول هذه الآية .

وتقدم الكلام على نظير هذه الآية في قوله تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } في سورة الأعراف ( 187 ) .

والخطاب في قوله : { وما يدريك } للرسول صلى الله عليه وسلم و { ما } استفهام مَا صْدَقُها شيء .

و { يدريك } من أدراه ، إذا أعلمه . والمعنى : أي شيء يجعل لك دراية . و { لعل الساعة تكون قريباً } مستأنفة لإنشاء رجاء .

و { لعل } معلقة فعل الإِدْراءِ عن العمل ، أي في المفعول الثاني والثالث وأما المفعول الأول فهو كاف الخطاب .

والمعنى : أيُّ شيء يدريك الساعَة بعيدةً أو قريبةً لعلها تكون قريباً ولعلها تكون بعيداً ، ففي الكلام احتباك .

والأظهر أن { قريباً } خبر { تكون } وأن فعل الكون ناقص وجيء بالخبر غير مقترن بعلامة التأنيث مع أنه محتمل لضمير المؤنث لفظاً ( فإن اسم الفاعل كالفعل في اقترانه بعلامة التأنيث إن كان متحملاً لضمير مؤنث لفظي ) فقيل : إنما لم يقترن بعلاقة التأنيث لأن ضمير الساعة جرى عليها بعد تأويلها بالشيء أو اليوم .

والذي اختاره جمع من المحققين مثل أبي عبيدة والزجاح وابن عطية أن { قريباً } في مثل هذه الآية ليس خبراً عن فعل الكون ولكنه ظرف له وهم يعنون أن فعل الكون تام وأن { قريباً } ظرف زمان لوقوعه . والتقدير : تقع في زمان قريب ، فيلزم لفظُ ( قريب ) الإِفراد والتذكيرَ على نية زمان أو وقت ، وقد يكون ظرف مكان كما ورد في ضده وهو لفظ ( بعيد ) في قوله :

وإن تمس ابنة السهمي منا *** بعيداً لا تكلمنا كلاماً

وقد أشار إلى جواز الوجهين في « الكشاف » . وهذان الوجهان وإن تأتَّيَا هنا لا يتأتيان في نحو قوله تعالى : { إن رحمة الله قريب من المحسنين } [ الأعراف : 56 ] .

ويقترن ( قريب ) و ( بعيد ) بعلامة التأنيث ونحوها من العلامات الفرعية عند إرادة التوصيف . وكل هذه اعتبارات من توسعهم في الكلام . وتقدم قوله تعالى : { إن رحمة اللَّه قريب من المحسنين } في الأعراف فضُمَّه إلى ما هنا .