ثم يحكى - سبحانه - ما يقوله الكافرون بعد أن أنزل بهم - سبحانه - عقابه العادل فيقول : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين . . . } .
وأرادوا بالموتة الأولى : خلقهم من مادة لا روح فيها وهم فى بطون أمهاتهم . . وأرادوا بالثانية : قبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم .
وأرادوا بالحياة الأولى : نفخ أرواحهم فى أجسادهم وهى فى الأرحام ، وأرادوا بالثانية إعادتهم إلى الحياة يوم البعث ، للحساب والجزاء .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ . . . } { فاعترفنا بِذُنُوبِنَا } أى : أنت يا ربنا الذى - بقدرتك وحدها - أمتنا إماتتين اثنتين ، وأحييتنا إحياءتين اثنتين ، وها نحن قد اعترفنا بذنوبنا التى وقعت منا فى الدنيا ، وندمنا على ما كان منا أشد الندم . .
{ فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أى : فهل بعد هذا الاعتراف ، فى الإِمكان أن تخرجنا من النار ، وأن تعيدنا إلى الحياة الدنيا ، لنؤمن بك حق الإِيمان . ونعمل غير الذى كنا نعمل .
فأنت ترى أن الآية تصور ذلهم وحسرتهم أكمل تصوير ، وأنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم ، ولكن هذا التمنى والتلهف جاء بعد فوات الأوان .
قال ابن كثير ما ملخصه : هذه الآية كقوله - تعالى - :
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ . . . } وهذا هو الصواب الذى لا شك فيه ولا مرية .
وقال السدى : أميتوا فى الدنيا ثم أحيوا فى قبورهم فخوطبوا ، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة .
وقال ابن زيد : أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ، ثم خلقهم فى الأرحام . ثم أماتهم يوم القيامة .
وهذا القولان ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات .
والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدى الله ، كما قال - تعالى - { وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }
والآن - وقد سقط عنهم غشاء الخداع والضلال - يعرفون أن المتجه لله وحده فيتجهون :
( قالوا : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل ) . .
وهي كلمة الذليل اليائس البائس . . ( ربنا ) . . وقد كانوا يكفرون وينكرون . أحييتنا أول مرة فنفخت الروح في الموات فإذا هو حياة ، وإذا نحن أحياء . ثم أحييتنا الأخرى بعد موتنا ، فجئنا إليك . وإنك لقادر على إخراجنا مما نحن فيه . وقد اعترفنا بذنوبنا . ( فهل إلى خروج من سبيل ? ) . بهذا التنكير الموحي باللهفة واليأس المرير .
{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين } إماتتين بأن خلقتنا أمواتا ثم صيرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا ، فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير ، ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل ، وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر . { وأحييتنا اثنتين } الإحياءة الأولى وإحياءة البعث . وقيل الإماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال والإحياءان ما في القبر والبعث ، إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله : { فاعترفنا بذنوبنا } فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث . { فهل إلى خروج } نوع خروج من النار . { من سبيل } طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.