التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

ثم يحكى - سبحانه - ما يقوله الكافرون بعد أن أنزل بهم - سبحانه - عقابه العادل فيقول : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين . . . } .

وأرادوا بالموتة الأولى : خلقهم من مادة لا روح فيها وهم فى بطون أمهاتهم . . وأرادوا بالثانية : قبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم .

وأرادوا بالحياة الأولى : نفخ أرواحهم فى أجسادهم وهى فى الأرحام ، وأرادوا بالثانية إعادتهم إلى الحياة يوم البعث ، للحساب والجزاء .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ . . . } { فاعترفنا بِذُنُوبِنَا } أى : أنت يا ربنا الذى - بقدرتك وحدها - أمتنا إماتتين اثنتين ، وأحييتنا إحياءتين اثنتين ، وها نحن قد اعترفنا بذنوبنا التى وقعت منا فى الدنيا ، وندمنا على ما كان منا أشد الندم . .

{ فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أى : فهل بعد هذا الاعتراف ، فى الإِمكان أن تخرجنا من النار ، وأن تعيدنا إلى الحياة الدنيا ، لنؤمن بك حق الإِيمان . ونعمل غير الذى كنا نعمل .

فأنت ترى أن الآية تصور ذلهم وحسرتهم أكمل تصوير ، وأنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم ، ولكن هذا التمنى والتلهف جاء بعد فوات الأوان .

قال ابن كثير ما ملخصه : هذه الآية كقوله - تعالى - :

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ . . . } وهذا هو الصواب الذى لا شك فيه ولا مرية .

وقال السدى : أميتوا فى الدنيا ثم أحيوا فى قبورهم فخوطبوا ، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة .

وقال ابن زيد : أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ، ثم خلقهم فى الأرحام . ثم أماتهم يوم القيامة .

وهذا القولان ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات .

والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدى الله ، كما قال - تعالى - { وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

والآن - وقد سقط عنهم غشاء الخداع والضلال - يعرفون أن المتجه لله وحده فيتجهون :

( قالوا : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل ) . .

وهي كلمة الذليل اليائس البائس . . ( ربنا ) . . وقد كانوا يكفرون وينكرون . أحييتنا أول مرة فنفخت الروح في الموات فإذا هو حياة ، وإذا نحن أحياء . ثم أحييتنا الأخرى بعد موتنا ، فجئنا إليك . وإنك لقادر على إخراجنا مما نحن فيه . وقد اعترفنا بذنوبنا . ( فهل إلى خروج من سبيل ? ) . بهذا التنكير الموحي باللهفة واليأس المرير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين } إماتتين بأن خلقتنا أمواتا ثم صيرتنا أمواتا عند انقضاء آجالنا ، فإن الإماتة جعل الشيء عادم الحياة ابتداء أو بتصيير كالتصغير والتكبير ، ولذلك قيل سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل ، وإن خص بالتصيير فاختيار الفاعل المختار أحد مفعوليه تصيير وصرف له عن الآخر . { وأحييتنا اثنتين } الإحياءة الأولى وإحياءة البعث . وقيل الإماتة الأولى عند انخرام الأجل والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال والإحياءان ما في القبر والبعث ، إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة بما غفلوا عنه ولم يكترثوا به ولذلك تسبب بقوله : { فاعترفنا بذنوبنا } فإن اقترافهم لها من اغترارهم بالدنيا وإنكارهم البعث . { فهل إلى خروج } نوع خروج من النار . { من سبيل } طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا .