التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

ثم هون - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم من شأن الكافرين ، وأخبره بأنهم أتفه من أن يغتر بهم فقال : { مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد } .

والمراد بالجدال هنا : الجدال بالباطل ، وأما الجدال من أجل الوصول إلى الحق فمحمود .

وقوله : { فَلاَ يَغْرُرْكَ } جواب لشرط محذوف . والتقلب : التنقل من مكان إلى آخر من أجل الحصول على المنافع والمكاسب .

أى : ما يجادل فى آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته ، عن طريق التكذيب بها والطعن فيها . . إلا الذين كفروا بالحق لما جاءهم ، وإذا تقرر ذلك ، فلا يغررك - أيها الرسول الكريم - تقلبهم فى البلاد ، وتصرفهم فيها عن طريق التجارات الرابحة ، وجمع الأموال الكثيرة ، فإن ما بين أيديهم من أموال إنما هو لون من الاستدراج ، وعما قريب ستزول هذه الأموال من بين أيديهم ، وستكون عليهم حسرة . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ، فلا يغررك تقلبهم في البلاد . كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، فأخذتهم ، فكيف كان عقاب ? وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ) . .

بعد تقرير تلك الصفات العلوية ، وتقرير الوحدانية ، يقرر أن هذه الحقائق مسلمة من كل من في الوجود ، وكل ما في الوجود ، ففطرة الوجود كله مرتبطة بهذه الحقائق ، متصلة بها الاتصال المباشر ، الذي لا تجادل فيه ولا تماحل . والوجود كله مقتنع بآيات الله الشاهدة بحقيقته ووحدانيته . وما من أحد يجادل فيها إلا الذين كفروا وحدهم ، شذوذاً عن كل ما في الوجود وكل من في الوجود :

( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) . .

فهم وحدهم من بين هذا الوجود الهائل يشذون ؛ وهم وحدهم من بين هذا الخلق العظيم ينحرفون . وهم - بالقياس إلى هذا الوجود - أضعف وأقل من النمل بالقياس إلى هذه الأرض . وهم حين يقفون في صف يجادلون في آيات الله ؛ ويقف الوجود الهائل كله في صف معترفاً بخالق الوجود مستنداً إلى قوة العزيز الجبار . . هم في هذا الموقف مقطوع بمصيرهم ، مقضي في أمرهم ؛ مهما تبلغ قوتهم ؛ ومهما يتهيأ لهم من أسباب المال والجاه والسلطان :

( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) . .

فمهما تقلبوا ، وتحركوا ، وملكوا ، واستمتعوا ، فهم إلى اندحار وهلاك وبوار . ونهاية المعركة معروفة . إن كان ثمت معركة يمكن أن تقوم بين قوة الوجود وخالقه ، وقوة هؤلاء الضعاف المساكين !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله : { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " إن جدالا في القرآن كفر " بالتنكير مع أنه ليس جدالا فيه على الحقيقة . { فلا يغررك تقلبهم في البلاد } فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم .