التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

ثم ساق - سبحانه - أدلة أخرى على وحدانيته وقدرته فقال : { وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ . . . } .

الوراسى : جمع راسية ، من رسا الشىء إذا ثبت ورسخ ، والمراد بها الجبال الثابتة الراسخة فى الأرض .

أى : وجعلنا فى الأرض جبالا ثوابت ، كراهة أن { تَمِيدَ بِهِمْ } أى : أن تضطرب وتتحرك بهم الأرض . يقال : ماد الشىء يميد ميدا - من باب باع - إذا تحرك واهتز .

{ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ، والفجاج .

جمع فج وهو الطريق الواسع .

والسبل : جمع سبيل وهو الطريق . وهو بدل من { فِجَاجاً } .

أى : وجعلنا فى الأرض طرقا واسعة ، ومنافذ متعددة ، لعلهم بذلك يهتدون ويتوصلون إلى الأماكن التى يريدون الوصول إليها . ويعلمون أن الذى وهبهم كل هذه النعم ، هو الله - تعالى - الذى يجب أن يخلصوا له العبادة والطاعة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

ثم يمضي في عرض مشاهد الكون الهائلة :

( وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ) . .

فيقرر أن هذه الجبال الرواسي تحفظ توازن الأرض فلا تميد بهم ولا تضطرب . وحفظ التوازن يتحقق في صور شتى . فقد يكون توازنا بين الضغط الخارجي على الأرض والضغط الداخلي في جوفها ، وهو يختلف من بقعة إلى بقعة : وقد يكون بروز الجبال في موضع معادلا لانخفاض الأرض في موضع آخر . . وعلى أية حال فهذا النص يثبت أن للجبال علاقة بتوازن الأرض واستقرارها . فلنترك للبحوث العلمية كشف الطريقة التي يتم بها هذا التوازن فذلك مجالها الأصيل . ولنكتف من النص القرآني الصادق باللمسة الوجدانية والتأمل الموحي ، وبتتبع يد القدرة المبدعة المدبرة لهذا الكون الكبير :

( وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ) . .

وذكر الفجاج في الجبال وهي الفجوات بين حواجزها العالية ، وتتخذ سبلا وطرقا . . ذكر هذه الفجاج هنا مع الإشارة إلى الاهتداء يصور الحقيقة الواقعة أولا ، ثم يشير من طرف خفي إلى شأن آخر في عالم العقيدة . فلعلهم يهتدون إلى سبيل يقودهم إلى الإيمان ، كما يهتدون في فجاج الجبال !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

وقوله : { وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ } أي : جبالا أرسى الأرض بها وقرّرها وثقلها ؛ لئلا تميد بالناس ، أي : تضطرب وتتحرك ، فلا يحصل لهم عليها قرار{[19620]} لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع ، فإنه باد للهواء والشمس ، ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات ، والحكم والدلالات ؛ ولهذا قال : { أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ } أي : لئلا تميد بهم .

وقوله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا } أي : ثغرًا في الجبال ، يسلكون فيها طرقًا من قطر إلى قطر ، وإقليم إلى إقليم ، كما هو المشاهد في الأرض ، يكون الجبل حائلا بين هذه البلاد وهذه البلاد ، فيجعل الله فيه فجوة - ثغرة - ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا ؛ ولهذا قال : { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } .


[19620]:- في ف : "قرار عليها".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

{ وجعلنا في الأرض رواسي } ثابتات من رسا الشيء إذا ثبت . { أن تميد بهم } كراهة أن تميل بهم وتضطرب ، وقيل لأن لا تميد فحذف لا لأمن الإلباس . { وجعلنا فيها } في الأرض أو الرواسي . { فجاجا سبلا } مسالك واسعة وإنما قدم فجاجا وهو وصف له ليصير حالا فيدل على أنه حين خلقها كذلك ، أو ليبدل منها { سبلا } فيدل ضمنا على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد . { لعلهم يهتدون } إلى مصالحهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

«الرواسي » جمع راسية أي ثابتة يقال رسا يرسو إذا ثبت واستقر ولا يستعمل إلا في الأجرام الكبار كالجبال والسفينة ونحوه{[8217]} ، ويروى أن الأرض كانت تكفأ بأهلها حتى ثقلها الله تعالى بالجبال فاستقرت ، و «الميد » التحرك ، و «الفجاج » الطرق المتسعة في الجبال وغيرها ، و { سبلاً } جمع سبيل ، والضمير في قوله تعالى : { فيها } يحتمل أن يعود على الرواسي ويحتمل أن يعود على { الأرض } وهو أحسن ، و { يهتدون } معناه في مسالكهم وتصرفهم .


[8217]:في بعض النسخ: ونحوه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

هذا من آثار فتق الأرض في حد ذاتها إذْ أخرج الله منها الجبال وذلك فتق تكوين ، وجعل فيها الطّرق ، أي الأرضين السهلة التي يتمكن الإنسان من المشي فيها عكس الجبال .

والرواسي : الجبال ، لأنها رست في الأرض ، أي رسخت فيها .

والميْد : الاضطراب . وقد تقدم في أول سورة النحل .

وتقدم في أول سورة النحل أن معنى { أن تَميد } أن لا تميد ، أو لكراهة أن تميد . والمعنى : وجعلنا في الأرض فجاجاً . ولما كان { فجاجاً } معناه واسعة كان في المعنى وصفاً للسبيل ، فلما قُدم على موصوفه انتصب على الحال . والمقصود إتمام المنة بتسخير سطح الأرض ليسلكوا منها طرقاً واسعة ولو شاء لجعل مسالك ضيقة بين الجبال كأنها الأودية .

والفجاج : جمع فَجّ . والفج : الطريق الواسع .

والسُبُل : جمع سبيل ، وهو : الطريق مطلقاً .

وجملة { لعلهم يهتدون } مستأنفة إنشاء رجاءِ اهتداء المشركين إلى وحدانية الله فإن هذه الدلائل مشاهدة لهم واضحة الدلالة . ويجوز أن يراد بالاهتداء الاهتداء في السير ، أي جعلنا سبلاً واضحة غير محجوبة بالضيق إرادة اهتدائهم في سيرهم ، فتكون هذه منة أخرى وهو تدبير الله الأشياء على نحو ما يلائم الإنسان ويصلح أحواله .

فقوله تعالى { لعلهم يهتدون } من الكلام الموجه .