التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

{ جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى : خالدين فى تلك الجنات خلودا أبديا { رِّضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } أى : قبل الله - تعالى - منهم أعمالهم ورضيها عنده ، وفرحوا هم ورضوا بما أعطاهم من خير عميم .

فالمراد برضاء - تعالى - عنهم : قبوله لأعمالهم ، وبرضاهم عنه : فرحهم بما أعطاهم من فضله . { ذلك } أي : العطاء الجزيل { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي : كائن وثابت لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى .

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا من أصحاب الميمنة .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ) . .

جنات للإقامة الدائمة في نعيمها الذي يمثله هنا الأمن من الفناء والفوات . والطمأنينة من القلق الذي يعكر وينغص كل طيبات الأرض . . كما يمثله جريان الأنهار من تحتها ، وهو يلقي ظلال النداوة والحياة والجمال !

ثم يرتقي السياق درجة أو درجات في تصوير هذا النعيم المقيم :

( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) . .

هذا الرضا من الله وهو أعلى وأندى من كل نعيم . وهذا الراضا في نفوسهم عن ربهم الرضا عن قدره فيهم . والرضا عن إنعامه عليهم والرضا بهذه الصلة بينه وبينهم . الرضا الذي يغمر النفس بالهدوء والطمأنينة والفرح الخالص العميق . .

إنه تعبير يلقي ظلاله بذاته . . ( رضي الله عنهم ورضوا عنه )حيث يعجز أي تعبير آخر عن إلقاء مثل هذه الظلال !

( ذلك لمن خشي ربه ) . .

وذلك هو التوكيد الأخير . التوكيد على أن هذا كله متوقف على صلة القلب بالله ، ونوع هذه الصلة ، والشعور بخشيته خشية تدفع إلى كل صلاح ، وتنهى عن كل انحراف . . الشعور الذي يزيح الحواجز ، ويرفع الأستار ، ويقف القلب عاريا أمام الواحد القهار . والذي يخلص العبادة ويخلص العمل من شوائب الرياء والشرك في كل صورة من صوره . فالذي يخشى ربه حقا لا يملك أن يخطر في قلبه ظلا لغيره من خلقه . وهو يعلم أن الله يرد كل عمل ينظر فيه العبد إلى غيره معه ، فهو أغنى الشركاء عن الشرك . فإما عمل خالص له ، وإلا لم يقبله .

ختام السورة:

تلك الحقائق الأربعة الكبيرة هي مقررات هذه السورة الصغيرة ، يعرضها القرآن بأسلوبه الخاص ، الذي يتجلى بصفة خاصة في هذه السور القصار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

ثم قال : { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي : يوم القيامة ، { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ .

{ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم ، { وَرَضُوا عَنْهُ } فيما منحهم من الفضل العميم .

وقوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي : هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه ، وعبده كأنه يراه ، وقد علم أنه إن لم يره فإنه يراه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا أبو معشر ، عن أبي وهب - مولى أبي هريرة - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بخير البرية ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، كلما كانت هَيْعَة استوى عليه . ألا أخبركم بخير البرية ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " رجل في ثُلَّة من غنمه ، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة . ألا أخبركم بشر{[30370]} البرية ؟ " . قالوا : بلى . قال : " الذي يَسأل بالله ، ولا يُعطي به " {[30371]} .

آخر تفسير سورة " لم يكن " {[30372]} .


[30370]:- (2) في أ: "بخير".
[30371]:- (3) المسند (2/396) وقال الهيثمي في المجمع (5/279): "أبو معشر - نجيح - ضعيف، وأبو معشر (كذا فيه، والصواب: أبو وهب) مولى أبي هريرة لم أعرفه".
[30372]:- (4) في م: "آخر تفسيرها".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } فيه مبالغات : تقديم المدح ، وذكر الجزاء المؤذن بأن ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به ، والحكم عليه بأن من عند ربهم ، وجمع جنات وتقييدها إضافة ووصفا بما تزداد لما نعيما ، وتأكيد الخلود بالتأييد رضي الله عنهم استئناف بما يكون لهم زيادة على جزائهم ، ورضوا عنه لأنه بلغهم أقصى أمانيهم ، ذلك - أي المذكور - من الجزاء والرضوان لمن خشي ربه ، فإن الخشية ملاك الأمر ، والباعث على كل خير .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة ( لم يكن الذين كفروا ) كان يوم القيامة مع خير البرية مساء ومقيلا " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

وقوله تعالى : { جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار } فيه حذف مضاف تقديره سكنى { جنات عدن } أو دخول { جنات عدن } ، والعدن الإقامة والدوام ، عدن بالموضع أقام فيه ، ومنه المعدن ؛ لأنه رأس ثابت ، وقال ابن مسعود : { جنات عدن } بطنان الجنة أي وسطها ، وقوله : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } قيل : ذلك في الدنيا ، ورضاه عنهم هو ما أظهره عليهم من أمارات رحمته وغفرانه ، ورضاهم عنه : هو رضاهم بجميع ما قسم لهم من جميع الأرزاق والأقدار . قال بعض الصالحين : رضى العباد عن الله رضاهم بما يرد من أحكامه ، ورضاه عنهم أن يوفقهم للرضى عنه ، وقال أبو بكر بن طاهر : الرضى عن الله خروج الكراهية عن القلب حتى لا يكون إلا فرح وسرور ، وقال السري السقطي : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تطلب منه الرضا عنك ؟ وقيل : ذلك في الآخرة ، فرضاهم عنه رضاهم بما من به عليهم من النعم ، ورضاهم عنه هو ما روي أن الله تعالى يقول لأهل الجنة : هل رضيتم بما أعطيتكم ؟ فيقولون : نعم ربنا ، وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من كل ما أعطيتكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً{[11932]} ، وخص الله بالذكر أهل الخشية ؛ لأنها رأس كل بركة ، الناهية عن المعاصي ، الآمرة بالمعروف .


[11932]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق –باب صفة الجنة والنار- وفي كتاب التوحيد- باب كلام الرب مع أهل الجنة- بسنده إلى أبي سعيد الخدري، وأخرجه مسلم في صحيحه في باب: كتاب الجنة ونعيمها وأهلها، كذلك أخرجه الترمذي ج 2 ص 91 وقال حديث حسن صحيح. ولفظ الحديث كما جاء في البخاري في باب صفة الجنة والنار: عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، يقولون لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطينا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا).