التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

ثم حكى - سبحانه - ما افتراه المشركون على خالقهم ورازقهم من أكاذيب ورد عليها بما يزهق باطلهم ، فقال - تعالى - : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا . . . كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } .

والمراد بالجعل فى قوله - تعالى - : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا . . . } الاعتقاد الباطل ، والحكم الفاسد . والمراد بالجزء الولد . والمقصود به خصوص البنات ، كما يدل عليه سياق الآيات .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا . . . } متصل بقوله - تعالى - قبل ذلك : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض . . . } والمراد بيان تناقضهم فى أنفسهم . . حيث اعترفوا بأنه - تعالى - خالق السماوات والأرض ، ثم وصفوه بصفات المخلوقين .

وعبر عن الولد بالجزء ، لأنه بضعة - وفرع - من والده ، كما قيل : أولادنا أكبادنا . . وقيل الجزء : اسم للإِناث ، يقال : أجرأت المرأة إذا ولدة أنثى . .

أى : أن هؤلاء المشركين بلغ من تناقضهم فى أقوالهم وأفعالهم ، أنهم إذا سألهم سائل عن خالق هذا الكون قالوا : الله . ومع ذلك فهم لجهالتهم اعتقدوا اعتقادا باطلا بأن الملائكة بناته ، مع أن الملائكة من مخلوقاته التى يشملها هذا الكون .

فالمقصود من الآية الكريمة تجهيل هؤلاء المشركين ، وتعجيب كل عاقل من شفاهتهم .

والظاهر أن المراد بالإِنسان فى قوله - تعالى - : { إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } الكافر والفاسق من بنى آدم ، لأن الإِنسان المؤمن لا يجحد نعم الله ، وإنما يشكره - تعالى - عليها .

أى : إن الإِنسان الكافر والفساق عن أمر ربه ، لشديد الجحود لنعم ربه ، مظهرا ذلك فى أقواله وفى أفعاله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

بعد ذلك يعالج أسطورة الملائكة واتخاذهم آلهة بزعم أنهم بنات الله ، وهم عباد الله :

وجعلوا له من عباده جزءاً . إن الإنسان لكفور مبين . أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ? وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم . أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ? وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ? ستكتب شهادتهم ويسألون . وقالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ، إن هم إلا يخرصون . أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون ? بل قالوا : إنا وجدنا آباءنا على أمة ، وإنا على آثارهم مهتدون . وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال : أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ? قالوا : إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم ، فانظر كيف كان عاقبة المكذبين . .

إن هذا القرآن يحاصر هذه الأسطورة ويواجهها في نفوسهم من كل جانب ، ولا يبقي ثغرة مفتوحة حتى يأخذها عليهم ، ويواجههم في هذا كله بمنطقهم ومسلماتهم وواقع حياتهم ، كما يواجههم بمصير الذين وقفوا مثل وقفتهم ، وقالوا مثل قولتهم من الغابرين .

ويبدأ بتصوير سخف هذه الأسطورة وتهافتها ، ومقدار ما في القول بها من كفر صريح :

( وجعلوا له من عباده جزءاً ، إن الإنسان لكفور مبين ) . .

فالملائكة عباد الله ، ونسبة بنوتهم له معناها عزلهم من صفة العبودية ، وتخصيصهم بقرابة خاصة بالله ؛ وهم عباد كسائر العباد ، لا مقتضى لتخصيصهم بصفة غير صفة العبودية في علاقتهم بربهم وخالقهم . وكل خلق الله عباد له خالصو العبودية . وادعاء الإنسان هذا الادعاء يدمغه بالكفر الذي لا شبهة فيه : ( إن الإنسان لكفور مبين ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله ، كما ذكر الله عنهم في سورة " الأنعام " ، في قوله : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الأنعام : 136 ] . وكذلك جعلوا له من قسمي{[26015]} البنات والبنين أخسَّهما وأردأهما وهو البنات ، كما قال تعالى : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى . تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى } [ النجم : 21 ، 22 ] . وقال هاهنا : { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ }


[26015]:- (6) في ت: "من كل قسم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

{ وجعلوا له من عباده جزءا } متصل بقوله : { ولئن سألتهم } أي وقد جعلوا له بعد ذلك الاعتراف من عباده ولدا فقالوا الملائكة بنات الله ، ولعله سماه جزءا كما سمي بعضا لأنه بضعة من الوالد دلالة على استحالته على الواحد الحق في ذاته ، وقرأ أبو بكر " جزأ " بضمتين . { إن الإنسان لكفور مبين } ظاهر الكفران ومن ذلك نسبة الولد إلى الله لأنها من فرط الجهل به والتحقير لشأنه .