التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (31)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما يدل على إيمانهم بما سمعوه فقال : { ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله . . . } .

أى : وقالوا لقومهم - أيضا - : يا قومنا أجيبوا داعى الله الذى دعاهم الى الحق وإلى طريق مستقيم . { وَآمِنُواْ بِهِ } أى : وآمنوا بهذا الرسول اكريم وبما جاء من عند ربه .

{ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } أى : أجيبوا داعى الله وآمنوا به ، يغفر لكم ربكم من ذنوبكم التى وقعتم فيها ، ويبعدكم بفضله ورحمته من عذاب أليم .

والتعبير بقوله : { مِّن ذُنُوبِكُمْ } يدل على حسن أدبهم ، وعلى أنهم يفوضون المغفرة إلى ربهم ، فهو - سبحانه - إنشاء غفرها جميعا ، وإن شاء غفر بعضها

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (31)

21

ثم مضوا في نذارتهم لقومهم في حماسة المقتنع المندفع ، الذي يحس أن عليه واجبا في النذارة لا بد أن يؤديه :

( يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ، يغفر لكم من ذنوبكم ، ويجركم من عذاب أليم ) . .

فقد اعتبروا نزول هذا الكتاب إلى الأرض دعوة من الله لكل من بلغته من إنس وجن ؛ واعتبروا محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] داعيا لهم إلى الله بمجرد تلاوته لهذا القرآن واستماع الثقلين له : فنادوا قومهم : ( يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ) . .

وآمنوا كذلك بالآخرة ، وعرفوا أن الإيمان والاستجابة لله يكون معهما غفران الذنب والإجارة من العذاب . فبشروا وأنذروا بهذا الذي عرفوه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (31)

{ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ } فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدًا صلوات الله وسلامه عليه {[26594]} إلى الثقلين الإنس والجن حيث دعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين ، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم ، وهي سورة الرحمن ؛ ولهذا قال{[26595]} { أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ }

وقوله : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ } قيل : إن " من " هاهنا زائدة وفيه نظر ؛ لأن زيادتها في الإثبات قليل ، وقيل : إنها على بابها للتبغيض ، { وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي : ويقيكم من عذابه الأليم .

وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة ، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة ؛ ولهذا قالوا هذا في هذا المقام ، وهو مقام تبجح ومبالغة فلو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي قال : حدثت عن جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لا يدخل مؤمنو الجن الجنة ؛ لأنهم من ذرية إبليس ، ولا تدخل ذرية إبليس الجنة .

والحق أن مُؤمِنَهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة ، كما هو مذهب جماعة{[26596]} من السلف ، وقد استدل بعضهم لهذا بقوله : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ } [ الرحمن : 74 ] ، وفي هذا الاستدلال نظر ، وأحسن منه قوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 46 ، 47 ] ، فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ، وقد قابلت الجِنّ هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس ، فقالوا : " ولا بِشَيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد " فلم يكن تعالى ليمتنّ عليهم بجزاء لا يحصل لهم ، وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار - وهو مقام عدل - فَلأنْ يجازي مؤمنهم بالجنة - وهو مقام فَضْل - بطريق الأولى والأحرى . ومما يدل أيضا على ذلك عمومُ قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نزلا } [ الكهف : 107 ] ، وما أشبه ذلك من الآيات . وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة ، ولله الحمد والمنة . وهذه الجنة لا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ، أفلا يسكنها من آمن به وعمل له صالحا ؟ وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإيمان من تكفير الذنوب والإجارة من العذاب الأليم ، هو يستلزم دخول الجنة ؛ لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار ، فمن أجير من النار دخل الجنة لا محالة . ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن {[26597]} الشارع أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار ، ولو صح لقلنا به ، والله أعلم . وهذا نوح ، عليه السلام ، يقول لقومه : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [ نوح : 4 ] ، {[26598]} ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة ، فكذلك هؤلاء . وقد حكي فيهم أقوال غريبة فعن عُمَر بن عبد العزيز : أنهم لا يدخلون بُحْبُوحَةَ الجنة ، وإنما يكونون في رَبَضها وحولها وفي أرجائها . ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم ولا يرون بني آدم عكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا . ومن الناس من قال : لا يأكلون في الجنة ولا يشربون ، وإنما يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس ، عِوَضا عن الطعام والشراب كالملائكة ، لأنهم من جنسهم . وكل هذه الأقوال فيها نظر ، ولا دليل عليها .


[26594]:- (4) في ت: "صلى الله عليه وسلم".
[26595]:- (5) في م: "قالوا".
[26596]:- (6) في ت، أ: "طائفة".
[26597]:- (1) في أ: "من".
[26598]:- (2) في ت، أ: "ويجركم" وهو خطأ.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (31)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ "يا قَوْمَنا "من الجنّ "أجِيبُوا دَاعِيَ اللّهِ" قالوا: أجيبوا رسول الله محمدا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله "وآمِنُوا بِهِ" يقول: وصدّقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر الله ونهيه، وغير ذلك مما دعاكم إلى التصديق به، "يَغْفِرْ لَكُمْ" يقول: يتغمد لكم ربكم من ذنوبكم فيسترها لكم ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إياكم عليها "ويُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيم" يقول: وينقذكم من عذاب موجع إذا أنتم تبتم من ذنوبكم، وأنبتم من كفركم إلى الإيمان بالله وبداعيه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إن الجن لما وصفوا القرآن بهذه الصفات الفاضلة قالوا {يا قومنا أجيبوا داعي الله} واختلفوا في أنه هل المراد بداعي الله الرسول أو الواسطة التي تبلغ عنه؟ والأقرب أنه هو الرسول لأنه هو الذي يطلق عليه هذا الوصف. واعلم أن قوله {أجيبوا داعي الله} فيه مسألتان: المسألة الأولى: هذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس، قال مقاتل: ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله. المسألة الثانية: قوله {أجيبوا داعي الله} أمر بإجابته في كل ما أمر به، فيدخل فيه الأمر بالإيمان إلا أنه أعاد ذكر الإيمان على التعيين، لأجل أنه أهم الأقسام وأشرفها، وقد جرت عادة القرآن بأنه يذكر اللفظ العام، ثم يعطف عليه أشرف أنواعه كقوله {وملائكته ورسله وجبريل} وقوله {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان وهي قوله {يغفر لكم من ذنوبكم}، وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: قال بعضهم كلمة {من} هاهنا زائدة والتقدير: يغفر لكم ذنوبكم، وقيل بل الفائدة فيه أن كلمة {من} هاهنا لابتداء الغاية، فكان المعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب، ثم ينتهي إلى غفران ما صدر عنكم من ترك الأولى والأكمل. المسألة الثانية: اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا؟ فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار، ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل البهائم، واحتجوا على صحة هذا المذهب بقوله تعالى: {ويجركم من عذاب أليم} وهو قول أبي حنيفة، والصحيح أنهم في حكم بني آدم فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وهذا القول قول ابن أبي ليلى ومالك، وجرت بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة، قال الضحاك يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، والدليل على صحة هذا القول أن كل دليل دل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن، والفرق بين البابين بعيد جدا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يا قومنا} الذين لهم قوة العلم والعمل {أجيبوا داعي الله} أي الملك الأعظم المحيط بصفات الجلال والجمال والكمال...

{وآمنوا به} أي أوقعوا التصديق بسبب الداعي لا بسبب آخر...

{يغفر لكم}: فإنه يستر ويسامح {من ذنوبكم} أي الشرك وما شابهه مما هو حق لله تعالى أي وذلك الستر لا يكون إلا إذا حصل منكم الإجابة التامة والتصديق التام...

{ويجركم} أي يمنعكم إذا أجبتم منع الجار لجاره لكونكم بالتحيز إلى داعيه صرتم من حزبه {من عذاب أليم} واقتصارهم على المغفرة تذكير بذنوبهم لأن مقصودهم الإنذار لا ينافي صريح قوله في هذه السورة- {ولكل درجات مما عملوا} [الأنعام: 132] في إثبات الثواب، ونقله أبو حيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{مِن} في قوله: {من ذنوبكم} الأظهر أنها للتعليل فتتعلق بفعل {أجيبوا} باعتبار أنه مجاب بفعل {يغفر}، ويجوز أن تكون تبعيضية، أي يغفر لكم بعض ذنوبكم فيكون ذلك احترازاً في الوعد لأنهم لم يتحققوا تفصيل ما يغفر من الذنوب وما لا يغفر إذ كانوا قد سمعوا بعض القرآن ولم يحيطوا بما فيه. ويجوز أن تكون زائدة للتوكيد على رأي جماعة ممن يرون زيادة {من} في الإثبات كما تزاد في النفي. وأما {مِن} التي في قوله: {ويُجِرْكُم من عذاب أليم} فهي لتعدية فعل {يجركم} لأنه يقال: أجاره من ظلم فلان، بمعنى منعه وأبعده...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

منطوق هذه الآية أن من أجاب داعي الله محمداً صلى الله عليه وسلم وآمن به، وبما جاء به، من الحق غفر الله له ذنوبه. وأجاره من العذاب الأليم، ومفهومها، أعني مفهوم مخالفتها، والمعروف بدليل الخطاب، أن من لم يجب داعي الله من الجن، ولم يؤمن به لم يغفر له، ولم يجره، من عذاب أليم، بل يعذبه ويدخله النار...