مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (31)

ثم إن الجن لما وصفوا القرآن بهذه الصفات الفاضلة قالوا { يا قومنا أجيبوا داعي الله } واختلفوا في أنه هل المراد بداعي الله الرسول أو الواسطة التي تبلغ عنه ؟ والأقرب أنه هو الرسول لأنه هو الذي يطلق عليه هذا الوصف .

واعلم أن قوله { أجيبوا داعي الله } فيه مسألتان :

المسألة الأولى : هذه الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس ، قال مقاتل : ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله .

المسألة الثانية : قوله { أجيبوا داعي الله } أمر بإجابته في كل ما أمر به ، فيدخل فيه الأمر بالإيمان إلا أنه أعاد ذكر الإيمان على التعيين ، لأجل أنه أهم الأقسام وأشرفها ، وقد جرت عادة القرآن بأنه يذكر اللفظ العام ، ثم يعطف عليه أشرف أنواعه كقوله { وملائكته ورسله وجبريل } وقوله { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان وهي قوله { يغفر لكم من ذنوبكم } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : قال بعضهم كلمة { من } هاهنا زائدة والتقدير : يغفر لكم ذنوبكم ، وقيل بل الفائدة فيه أن كلمة { من } هاهنا لابتداء الغاية ، فكان المعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب ، ثم ينتهي إلى غفران ما صدر عنكم من ترك الأولى والأكمل .

المسألة الثانية : اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ، ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل البهائم ، واحتجوا على صحة هذا المذهب بقوله تعالى : { ويجركم من عذاب أليم } وهو قول أبي حنيفة ، والصحيح أنهم في حكم بني آدم فيستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، وهذا القول قول ابن أبي ليلى ومالك ، وجرت بينه وبين أبي حنيفة في هذا الباب مناظرة ، قال الضحاك يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون ، والدليل على صحة هذا القول أن كل دليل دل على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حق الجن ، والفرق بين البابين بعيد جدا .