دلت هذه الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى الجِنِّ كما كان مبعوثاً إلى الإنْسِ .
قال مقاتل : لم يبعث الله نبياً إلى الإنس وإلى الجن قبله .
فإن قيل : قوله { أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله } أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فكيف قال : وآمنوا به » ؟
فالجواب : أفاد ذكر الإيمان على التعيين ، لأنه أهم الأقسام وِأشرفها وقد جرت عادة القرآن الكريم بأنه يذكر اللفظ العام ثم يعطف عليه أشرف أنواعه ، كقوله : { وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 98 ] وقوله { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان فقال : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } قال بعضهم : كلمة «من » هنا زائدة{[51113]} والتقدير : يغفر لكم ذُنُوبَكُمْ ، وقيل : بل فائدته أن كلمة «من » هنا لابتداء الغاية والمعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب ثم ينتهي إلى عَفْوِ ما صدر عنكم من ترك الأَوْلَى والأكمل{[51114]} . ويجوز أن تكون تبعيضيةً{[51115]} .
قوله : { وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعينَ بَعْلاً من الجن فَرَجَعُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البَطْحَاء فقرأ عليهم القُرْآنَ وأمرهم ونَهَاهُمْ{[51116]} .
اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ فقيل : لا ثَوَابَ لهم إلا النجاة من النار ، ثم يقال لهم : كُونُوا تراباً مثلَ البهائم . واحتجوا على ذلك بقوله : ( ويُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) وهو قول أبي حنيفة والصحيح أن حكمهم حكم بني آدم يستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية .
وهو قولُ ابن أَبِي لَيْلَى ومَالِكٍ{[51117]} وتقدم عن ابن عباس أيضاً نحوُ ذلِكَ . قال الضحاك : يدخلون الجنة ، ويأكلون ويشربون ، لأن كل دليل{[51118]} دل{[51119]} على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حقِّ الجنِّ . والفرق بينهما بَعيداً جِدًّا{[51120]} ، وذكر النقاش في تفسيره حديثاً أنه يدخلون الجنة . فقيل : هل يصيبون من نعيمها ؟ قال : يُلْهِمُهُم اللهُ تسبيحهُ وذِكْرَه فيصيبهم من لذته ما يصيب بني آدم من نعيم الجنة . وقال أَرطَأَةُ بْنُ المُنْذِر : سألت ضمرةَ بن حبيب هل للجن ثواب ؟ ققال : نعم وقرأ : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ }{[51121]} [ الرحمن : 56 ] . وقال عمر بن العزيز : إن مؤمني الجنِّ حول الجنة في رَبَض{[51122]} وَرِحابٍ ولُبْسِ فيها{[51123]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.