اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (31)

فصل

دلت هذه الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى الجِنِّ كما كان مبعوثاً إلى الإنْسِ .

قال مقاتل : لم يبعث الله نبياً إلى الإنس وإلى الجن قبله .

فإن قيل : قوله { أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله } أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فكيف قال : وآمنوا به » ؟

فالجواب : أفاد ذكر الإيمان على التعيين ، لأنه أهم الأقسام وِأشرفها وقد جرت عادة القرآن الكريم بأنه يذكر اللفظ العام ثم يعطف عليه أشرف أنواعه ، كقوله : { وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [ البقرة : 98 ] وقوله { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان فقال : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } قال بعضهم : كلمة «من » هنا زائدة{[51113]} والتقدير : يغفر لكم ذُنُوبَكُمْ ، وقيل : بل فائدته أن كلمة «من » هنا لابتداء الغاية والمعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب ثم ينتهي إلى عَفْوِ ما صدر عنكم من ترك الأَوْلَى والأكمل{[51114]} . ويجوز أن تكون تبعيضيةً{[51115]} .

قوله : { وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعينَ بَعْلاً من الجن فَرَجَعُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البَطْحَاء فقرأ عليهم القُرْآنَ وأمرهم ونَهَاهُمْ{[51116]} .

فصل

اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ فقيل : لا ثَوَابَ لهم إلا النجاة من النار ، ثم يقال لهم : كُونُوا تراباً مثلَ البهائم . واحتجوا على ذلك بقوله : ( ويُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) وهو قول أبي حنيفة والصحيح أن حكمهم حكم بني آدم يستحقون الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية .

وهو قولُ ابن أَبِي لَيْلَى ومَالِكٍ{[51117]} وتقدم عن ابن عباس أيضاً نحوُ ذلِكَ . قال الضحاك : يدخلون الجنة ، ويأكلون ويشربون ، لأن كل دليل{[51118]} دل{[51119]} على أن البشر يستحقون الثواب على الطاعة فهو بعينه قائم في حقِّ الجنِّ . والفرق بينهما بَعيداً جِدًّا{[51120]} ، وذكر النقاش في تفسيره حديثاً أنه يدخلون الجنة . فقيل : هل يصيبون من نعيمها ؟ قال : يُلْهِمُهُم اللهُ تسبيحهُ وذِكْرَه فيصيبهم من لذته ما يصيب بني آدم من نعيم الجنة . وقال أَرطَأَةُ بْنُ المُنْذِر : سألت ضمرةَ بن حبيب هل للجن ثواب ؟ ققال : نعم وقرأ : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ }{[51121]} [ الرحمن : 56 ] . وقال عمر بن العزيز : إن مؤمني الجنِّ حول الجنة في رَبَض{[51122]} وَرِحابٍ ولُبْسِ فيها{[51123]} .


[51113]:ذكرت في البحر والرازي دون تحديد انظر البحر 8/68 والرازي 28/33.
[51114]:الرازي السابق.
[51115]:البحر السابق.
[51116]:ذكره القرطبي 16/217.
[51117]:والشافعي وانظر القرطبي 16/217 و218.
[51118]:في ب يدل مضارعا.
[51119]:في ب يدل مضارعا.
[51120]:الرازي 28/33.
[51121]:من الرحمن عز وجل 56.
[51122]:أي حول الجنة فالربض هو ما حول الشيء.
[51123]:انظر البغوي في معالم التنزيل.