التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات ببيان أنه هو المالك لكل شئ ، والمهيمن على شئون هذا الكون فقال : { وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } .

أى : ولله - تعالى - وحده جميع ما فى السماوات وما فى الأرض من موجودات ، فهو خالقها ومالكها ولا يخرج عن ملكوته شئ منها . وكان الله - تعالى - بكل شئ محيطا ، بحيث لا تخفى عليه خافية من شئون خلقه ، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بشرت المؤمنين بحسن الثواب ، وبينت أن ثواب الله لا ينال بالأمانى وإنما ينال بالإِيمان والعمل الصالح ، وأن الدين الحق هو الذى يدعو الإِنسان إلى إخلاص نفسه لله ، وإلى إحسان العمل فى طاعته ، وإلى اتباع ما كان عليه إبراهيم من منهاج سليم ، وخلق قويم . وأنه - سبحانه هو المتصرف فى شئون هذا الكون ، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

114

وفي الختام يجيء التعقيب على قضية العمل والجزاء ، وقضية الشرك قبلها والإيمان ، برد كل ما في السماوات

والأرض لله ، وإحاطة الله بكل شيء في الحياة وما بعد الحياة :

( ولله ما في السماوات وما في الأرض ، وكان الله بكل شيء محيطًا ) .

وإفراد الله سبحانه بالألوهية يصاحبه في القرآن كثيرا إفراده سبحانه بالملك والهيمنة - والسلطان والقهر ، فالتوحيد الإسلامي ليس مجرد توحيد ذات الله . وإنما هو توحيد إيجابي . توحيد الفاعلية والتأثير في الكون ، وتوحيد السلطان والهيمنة أيضا .

ومتى شعرت النفس أن لله ما في السموات وما في الأرض . وأنه بكل شيء محيط ، لا يند شيء عن علمه ولا عن سلطانه . . كان هذا باعثها القوي إلى إفراد الله سبحانه بالألوهية والعبادة ؛ وإلى محاولة إرضائه باتباع منهجه وطاعة أمره . . وكل شيء ملكه . وكل شيء في قبضته . وهو بكل شى ء محيط

وبعض الفلسفات تقرر وحدانية الله . ولكن بعضها ينفي عنه الإرداة . وبعضها ينفي عنه العلم . وبعضها ينفي عنه السلطان . وبعضها ينفي عنه الملك . . إلى آخر هذا الركام الذي يسمى " فلسفات ! " . . ومن ثم يصبح هذا التصور سلبيا لا فاعلية له في حياة الناس ، ولا أثر له في سلوكهم وأخلاقهم ؛ ولا قيمة له في مشاعرهم وواقعهم . . كلام ! مجرد كلام !

إن الله في الإسلام ، له ما في السموات وما في الأرض . فهو مالك كل شيء . . وهو بكل شيء محيط . فهو مهيمن على كل شيء . . وفي ظل هذا التصور يصلح الضمير . ويصلح السلوك . وتصلح الحياة . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

وقوله : { وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } أي : الجميع ملكه وعبيده وخلقه ، وهو المتصرف في جميع ذلك ، لا راد لما قضى ، ولا معقب لما حكم ، ولا يسأل عما يفعل ، لعظمته وقدرته وعدله وحكمته ولطفه ورحمته .

وقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا } أي : علمه نافذ في جميع ذلك ، لا تخفى{[8408]} عليه خافية من عباده ، ولا يعْزُب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، ولا تخفى عليه ذرة لما{[8409]} تراءى للناظرين وما توارى .


[8408]:في ر: "يخفي".
[8409]:في ر: "الذرة أما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ مّحِيطاً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : واتخذ الله إبراهيم خليلاً لطاعته ربه ، وإخلاصه العبادة له ، والمسارعة إلى رضاه ومحبته ، لا من حاجة به إليه وإلى خلته ، وكيف يحتاج إليه وإلى خلته ، وله ما في السموات وما في الأرض من قليل وكثير ملكا ، والمالك الذي إليه حاجة ملكه دون حاجته إليه ، فكذلك حاجة إبراهيم إليه ، لا حاجته إليه ، فيتخذه من أجل حاجته إليه خليلاً ، ولكنه اتخذه خليلاً لمسارعته إلى رضاه ومحبته . يقول : فكذلك فسارعوا إلى رضاي ومحبتي لأتخذكم لي أولياء . { وكانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ مُحِيطا } ولم يزل الله محصيا لكل ما هو فاعله عباده من خير وشرّ ، عالما بذلك ، لا يخفى عليه شيء منه ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

جملة { ولله ما في السموات وما في الأرض } الخ تذييل جعل كالاحتراس ، على أنّ المراد بالخليل لازم معنى الخلّة ، وليست هي كخلّة الناس مقتضية المساواة أو التفضيل ، فالمراد منها الكناية عن عبودية إبراهيم في جملة { ما في السموات وما في الأرض } . والمحيط : العليم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولله ما في السماوات وما في الأرض} من الخلق عبيده، وفي ملكه، {وكان الله بكل شيء محيطا}: يعني أحاط علمه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

واتخذ الله إبراهيم خليلاً لطاعته ربه، وإخلاصه العبادة له، والمسارعة إلى رضاه ومحبته، لا من حاجة به إليه وإلى خلته، وكيف يحتاج إليه وإلى خلته، وله ما في السموات وما في الأرض من قليل وكثير ملكا، والمالك الذي إليه حاجة ملكه دون حاجته إليه، فكذلك حاجة إبراهيم إليه، لا حاجته إليه، فيتخذه من أجل حاجته إليه خليلاً، ولكنه اتخذه خليلاً لمسارعته إلى رضاه ومحبته. يقول: فكذلك فسارعوا إلى رضاي ومحبتي لأتخذكم لي أولياء. {وكانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ مُحِيطا} ولم يزل الله محصيا لكل ما هو فاعله عباده من خير وشرّ، عالما بذلك، لا يخفى عليه شيء منه، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وكان الله بكل شيء محيطا} أي أحاط بكل شيء علمه. وهو يخرج على الوعيد، أي لا عن جهل بصنعهم كملوك الأرض،...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} متصل بذكر العمال الصالحين والطالحين. معناه: أن له ملك أهل السموات والأرض، فطاعته واجبة عليهم. {وَكَانَ الله بِكُلّ شيء مُّحِيطاً} فكان عالماً بأعمالهم فمجازيهم على خيرها وشرها. فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ذكر -عز وجل- سعة ملكه وإحاطته بكل شيء عقب ذكر الدين وتبيين الجادة منه، ترغيباً في طاعة الله والانقطاع إليه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في تعلق هذه الآية بما قبلها[...] وجوه:

الأول: أن يكون المعنى أنه لم يتخذ الله إبراهيم خليلا لاحتياجه إليه في أمر من الأمور كما تكون خلة الآدميين...

والثاني: أنه تعالى ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع أنواعا كثيرة من الأمر والنهي والوعد والوعيد، فبين هاهنا أنه إله المحدثات وموجد الكائنات والممكنات، ومن كان كذلك كان ملكا مطاعا فوجب على كل عاقل أن يخضع لتكاليفه وأن ينقاد لأمره ونهيه.

الثالث: أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد ولا يمكن الوفاء بهما إلا عند حصول أمرين: أحدهما: القدرة التامة المتعلقة بجميع الكائنات والممكنات. والثاني: العلم التام المتعلق بجميع الجزئيات والكليات حتى لا يشتبه عليه المطيع والعاصي والمحسن والمسيء، فدل على كمال قدرته بقوله {ولله ما في السموات وما في الأرض} وعلى كمال علمه بقوله {وكان الله بكل شيء محيطا}.

الرابع: أنه سبحانه لما وصف إبراهيم بأنه خليله بين أنه مع هذه الخلة عبد له، وذلك لأنه له ما في السماوات وما في الأرض،... إنما قال {ما في السموات وما في الأرض} ولم يقل (من) لأنه ذهب مذهب الجنس، والذي يعقل إذا ذكر وأريد به الجنس ذكر بما...

قوله: {وكان الله بكل شيء محيطا} فيه وجهان:

أحدهما: المراد منه الإحاطة في العلم.

والثاني: المراد منه الإحاطة بالقدرة... فلما قال {وكان الله بكل شيء محيطا} دل على كونه قادرا على ما لا نهاية له من المقدورات خارجا عن هذه السماوات والأرض...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

قوله تعالى:"ولله ما في السماوات وما في الأرض" أي ملكا واختراعا. والمعنى إنه اتخذ إبراهيم خليلا بحسن طاعته لا لحاجته إلى مخالته ولا للتكثير به والاعتضاد، وكيف وله ما في السموات وما في الأرض؟ وإنما أكرمه لامتثاله لأمره...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَللَّهِ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض} جملةٌ مبتدأةٌ سيقت لتقرير وجوبِ طاعة الله تعالى على أهل السماوات والأرضِ ببيانِ أن جميعَ ما فيهما من الموجودات له تعالى خلقاً ومُلكاً لا يخرُج عن مَلَكوته شيءٌ منها فيجازي كلاًّ بموجب أعمالِه خيراً أو شراً... وقوله عز وجل: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيء مُحِيطاً} تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله على الوجوه المذكورةِ فإن إحاطتَه تعالى علماً وقُدرةً بجميع الأشياءِ التي من جملتها ما فيهما من المكلفين وأعمالِهم مما يقرِّرُ ذلك أكملَ تقرير...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

قال الأستاذ الإمام:

ختم هذا السياق بهذه الآية لفوائد:

إحداها: التذكير بقدرته تعالى على إنجاز وعده ووعيده في الآيات التي قبلها فإن له ما في السموات والأرض خلقا وملكا وهو أكرم من وعد وأقدر من أوعد.

ثانيها: إن الدليل على أنه المستحق وحده لإسلام الوجه له والتوجه إليه في كل حال. {وكان الله بكل شيء محيطا} إحاطة قهر وتصرف وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، قال الأستاذ الإمام:

فسروا الإحاطة بالقدرة والقهر ويصح أن تكون إحاطة وجود لأن هذه الموجودات ليس وجودها من ذاتها، ولا هي ابتدعت نفسها وإنما وجودها مستمد من ذلك الوجود الواجب الأعلى...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إفراد الله سبحانه بالألوهية يصاحبه في القرآن كثيرا إفراده سبحانه بالملك والهيمنة -والسلطان والقهر، فالتوحيد الإسلامي ليس مجرد توحيد ذات الله. وإنما هو توحيد إيجابي. توحيد الفاعلية والتأثير في الكون، وتوحيد السلطان والهيمنة أيضا...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وسبحانه أوضح في آية سابقة أنه لا ولي ولا نصير للكافرين أو للمنافقين ويؤكد لنا المعنى هنا: إياكم أن تظنوا أن هناك مهربا أو محيصا أو معزلا أو مفرا، فلله ما في السماوات وما في الأرض، فلا السماوات تؤوي هاربا منه ولا من في السماوات يعاون هاربا منه، وسبحانه المحيط علما بكل شيء والقادر على كل شيء...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

إنك إذا أسلمت وجهك لله، فإنك لا تسلمه إلى قوة محدودة في قدرتها وامتدادها وعظمتها، لتشعر بالتضاؤل والانسحاق والحرج في ذلك كله، كما يشعر الكثيرون ممّن يرتبطون بالأشخاص الذين يملكون طاقة محدودة أمام الكون؛ ولكنك تسلم وجهك وحياتك إلى مالك السموات والأرض وما فيهن… فأنت عندما تستسلم له، فإنك لا تستسلم له وحدك بل تحس بالكون كله في جميع ما يحتويه من مخلوقاتٍ حيةٍ وجامدة، خاضعاً مستسلماً لسيطرته المطلقة؛ وبذلك يتعاظم شعورك بموقعك القوي الحر أمام القوى الكونية الأخرى، لأنك لست ظلاً لها ولست مسحوقاً أمامها، بل أنت وهي ظل للإرادة الإلهية المهيمنة على الكون كله، التي جعلت لكل واحد من الموجودات موقفاً محدداً في دوره وحركته، فهو مالك كل شيء، وهو المحيط بكل شيء، فلا يخفى عليه شيء في السموات والأرض...

أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :

من الهداية: -غنى الله تعالى عن سائر مخلوقاته، وافتقار سائر مخلوقاته إليه عز وجل...