غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

114

ولهذا قال بعد ذلك : { ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطاً } ليعلم أنه لم يتخذ إبراهيم خليلاً للمجانسة أو الاحتياج ، ولكنه اصطفاه لمجرد الفضل والامتنان ، وفيه أنه مع خلته لم يستنكف أن يكون عبداً له داخلاً تحت ملكه وملكه ، وفيه أن من كان في القهر والتسخير بهذه الحيثية وجب على كل عاقل أن يخضع لتكاليفه وينقاد لأوامره ونواهيه كما قال إبراهيم :{ أسلمت لرب العالمين }[ البقرة :131 ] وأيضاً إنه لما ذكر الوعد والوعيد وإنه لا يمكن الوفاء بهما إلاّ بالقدرة التامة على جميع الممكنات والعلم الكامل الشامل لجميع الكليات والجزئيات أشار إلى الأول بقوله : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } وإلى الثاني بقوله : { وكان الله بكل شيء محيطاً } وإنما قدم القدرة على العلم لأن الفعل بحدوثه يدل على القدرة وبما فيه من الإحكام والإتقان يدل على العلم ، ولا ريب أن الاعتبار الأول مقدم على الثاني . وقال بعضهم : الإحاطة أيضاً ههنا بمعنى القدرة كقوله تعالى :

{ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها }[ الفتح :21 ] ولا يلزم تكرار لأن الأول لا يدل إلا على مالك لكل ما في السماوات والأرض قادر عليهما والثاني يفيد القدرة المطلقة على جميع الأشياء وإن فرضت خارج السماوات والأرض ، وعلى أن سلسلة القضاء والقدر في جميع الممكنات إنما تنقطع بإيجاده وتكوينه وإبداعه .

/خ126