اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

في تعلُّق الآيَة بما قَبْلَها وُجُوه :

أحدها : [ أن المعنى ]{[9907]} أن الله لم يَتَّخِذْ إبْرَاهِيم خليلاً لاحتياجه إلَيْه في شَيْءٍ كخلةِ الآدميِّين ، وكيف{[9908]} يُعْقَل ذلك ، وله مُلْك السَّموات والأرض ، وإنما اتَّخَذَهُ خليلاً لمحض الكَرَم .

وثانيها : أنَّه - تعالى - ذكر من أوَّل السُّورة إلى هذا المَوْضِع أنْواعاً كَثِيرَة من الأمر والنَّهْي ، والوعْد والوَعيد ، وذكر في هَذِه الآيَة أنَّه إلَه المُحْدَثَاتِ ، وموجِدُ الكائِنَاتِ ، ومن كان مَلِكَاً مطاعاً ، وجب على كُلِّ عاقلٍ أنْ يَخْضَعَ لتكاليفه ، ويَنْقَادَ لأمْرِه .

وثالثها : أنه - تعالى - لما ذكر الوَعْدَ والوَعِيدَ ، ولا يمكن الوَفَاءُ بهما إلا بأمْرَيْن :

أحدهما : القُدْرةُ التَّامَّة [ المتعلِّقة ]{[9909]} بجميع الكَائِنَات والمُمْكِنَات .

والثاني : [ العِلْم ]{[9910]} المتعلِّق بجميع الجُزْئِيَّات والكُلِّياتِ ؛ حتى لا يَشْتَبه عليه المُطِيعُ ، والعَاصِي ، والمحسن والمُسِيءُ{[9911]} ؛ فدلَّ على كَمَال قُدْرَته بِقَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ، وعلى كَمَال عِلْمِهِ بقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } .

ورابعها : أنه - تعالى - لمّا وصَفَ إبْراهيم - عليه الصلاة والسلام - بأنه خَلِيلُه ، بين أنَّه مع هذه الخُلَّة عَبْدٌ لَهُ ، وذَلِك أنَّ له مَا فِي السَّمواتِ ومَا في الأرْض ، ونَظِيرُه قوله تعالى : { إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] ويجري مُجْرَى قوله : { لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ }

[ النساء : 172 ] يعني : أنَّ الملائكة مع كَمَالِهِم في صِفَةِ القُدرةِ ، والقوَّة في صِفَة العِلْم والحِكْمَة ، لم يَسْتَنْكِفُوا عن عِبَادة اللَّه ؛ كذا هَهُنا ، يعني : إذا كَانَ كل من في السَّموات والأرْض مِلْكُه في تَسْخِيره ، فكَيْفَ يعْقَل أن يُقَالَ : إن اتِّخَاذ اللَّه إبْراهيم خَلِيلاً ، يخرجه عن عُبُودِيَّة اللَّه .

فصل

إنما قال : { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ولم يقل " مَنْ " لأنه ذَهَب به مَذْهَبَ الجِنْس ، والذي يُعْقَل إذا ذُكِر وأريد به الجنْسُ ، ذكر ب " مَا " .

قوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } فيه وَجْهَان :

أحدهما : المُرَاد مِنْهُ : الإحاطة في العِلْم .

والثاني : الإحَاطَة بالقُدْرَة ؛ كقوله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا }

[ الفتح : 21 ] .

قال القَائِلُون بهذا{[9912]} القَوْل : وليس لِقَائِلٍ أن يَقُولَ : لمَّا دل قوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } على كمال القُدْرَةِ ، لزم التَّكْرَار ؛ لأنَّا نقول إنَّ قوله { وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } [ لا يفيد ظاهره ]{[9913]} إلا كونه{[9914]} قَادِراً على ما يَكُون خَارِجَاً عَنْهُمَا ، ومغايراً [ لهما ]{[9915]} ، فلما قال : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } دلَّ ذلك على كَوْنه قَادِراً على ما لا نهاية له من المَقْدُورَات خَارِج هذه السَّمَواتِ والأرْضِ .


[9907]:سقط في أ.
[9908]:في ب: فكيف.
[9909]:سقط في ب.
[9910]:سقط في أ.
[9911]:في أ: بالسيئ.
[9912]:في ب: هذا.
[9913]:سقط في ب.
[9914]:في ب: لا يكون.
[9915]:سقط في أ.