في تعلُّق الآيَة بما قَبْلَها وُجُوه :
أحدها : [ أن المعنى ]{[9907]} أن الله لم يَتَّخِذْ إبْرَاهِيم خليلاً لاحتياجه إلَيْه في شَيْءٍ كخلةِ الآدميِّين ، وكيف{[9908]} يُعْقَل ذلك ، وله مُلْك السَّموات والأرض ، وإنما اتَّخَذَهُ خليلاً لمحض الكَرَم .
وثانيها : أنَّه - تعالى - ذكر من أوَّل السُّورة إلى هذا المَوْضِع أنْواعاً كَثِيرَة من الأمر والنَّهْي ، والوعْد والوَعيد ، وذكر في هَذِه الآيَة أنَّه إلَه المُحْدَثَاتِ ، وموجِدُ الكائِنَاتِ ، ومن كان مَلِكَاً مطاعاً ، وجب على كُلِّ عاقلٍ أنْ يَخْضَعَ لتكاليفه ، ويَنْقَادَ لأمْرِه .
وثالثها : أنه - تعالى - لما ذكر الوَعْدَ والوَعِيدَ ، ولا يمكن الوَفَاءُ بهما إلا بأمْرَيْن :
أحدهما : القُدْرةُ التَّامَّة [ المتعلِّقة ]{[9909]} بجميع الكَائِنَات والمُمْكِنَات .
والثاني : [ العِلْم ]{[9910]} المتعلِّق بجميع الجُزْئِيَّات والكُلِّياتِ ؛ حتى لا يَشْتَبه عليه المُطِيعُ ، والعَاصِي ، والمحسن والمُسِيءُ{[9911]} ؛ فدلَّ على كَمَال قُدْرَته بِقَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ، وعلى كَمَال عِلْمِهِ بقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } .
ورابعها : أنه - تعالى - لمّا وصَفَ إبْراهيم - عليه الصلاة والسلام - بأنه خَلِيلُه ، بين أنَّه مع هذه الخُلَّة عَبْدٌ لَهُ ، وذَلِك أنَّ له مَا فِي السَّمواتِ ومَا في الأرْض ، ونَظِيرُه قوله تعالى : { إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] ويجري مُجْرَى قوله : { لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ }
[ النساء : 172 ] يعني : أنَّ الملائكة مع كَمَالِهِم في صِفَةِ القُدرةِ ، والقوَّة في صِفَة العِلْم والحِكْمَة ، لم يَسْتَنْكِفُوا عن عِبَادة اللَّه ؛ كذا هَهُنا ، يعني : إذا كَانَ كل من في السَّموات والأرْض مِلْكُه في تَسْخِيره ، فكَيْفَ يعْقَل أن يُقَالَ : إن اتِّخَاذ اللَّه إبْراهيم خَلِيلاً ، يخرجه عن عُبُودِيَّة اللَّه .
إنما قال : { مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ولم يقل " مَنْ " لأنه ذَهَب به مَذْهَبَ الجِنْس ، والذي يُعْقَل إذا ذُكِر وأريد به الجنْسُ ، ذكر ب " مَا " .
قوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } فيه وَجْهَان :
أحدهما : المُرَاد مِنْهُ : الإحاطة في العِلْم .
والثاني : الإحَاطَة بالقُدْرَة ؛ كقوله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا }
قال القَائِلُون بهذا{[9912]} القَوْل : وليس لِقَائِلٍ أن يَقُولَ : لمَّا دل قوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } على كمال القُدْرَةِ ، لزم التَّكْرَار ؛ لأنَّا نقول إنَّ قوله { وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } [ لا يفيد ظاهره ]{[9913]} إلا كونه{[9914]} قَادِراً على ما يَكُون خَارِجَاً عَنْهُمَا ، ومغايراً [ لهما ]{[9915]} ، فلما قال : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } دلَّ ذلك على كَوْنه قَادِراً على ما لا نهاية له من المَقْدُورَات خَارِج هذه السَّمَواتِ والأرْضِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.