التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

وقوله : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ) ذلك بيان قاطع وكبير من الله جلّت قدرته بأنه مالك كل شيء في السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن . فالخلق والكائنات جميعا قبضته وبين يديه . ولعل في ذلك إشارة لاتخاذه إبراهيم خليلا ؛ كيلا يسأل واهم عن حاجته لمثل هذه الخُلّة . وهي ليست خلة الصديق للصديق كالذي عليه الناس ولكنها مرتبة قاصية سامقة في التقرّب والإكرام ، ذلك أن الله غني عن صداقة أحد وأعوانه فهو الذي يملك كل شيء بما في ذلك الخلائق والأحياء والأجرام وما تناثر في أرجاء الكون الهائل المخوف من أشياء وكائنات .

قوله : ( وكان الله بكل شيء محيطا ) إنه سبحانه منذ الأزل الغائر في القدم وفي الأبد الممتد الأبيد لهو محيط بكل شيء . وإحاطته تتضمن علمه المطلق غير المحدود وهيمنته الغامرة المستحوذة ، فهو سبحانه عليم بما كان وما سيكون وما لم يكن بعد ، وهو لا يندّ من علمه خبر من أخبار السماوات والأرض أو أخبار الأحياء والأموات أو أخبار الأولين والآخرين ، سواء في دنيا الفناء أو دار الآخرة حيث الديمومة والبقاء . وهو كذلك مهيمن على الوجود وما فيه بماله من قدرة متسلطة قد بسطها على الخليقة كافة . كل ذلك نتلمسه من كونه محيطا بكل شيء كما جاء في الآية ، والإحاطة لفظة معبّرة أو في التعبير لا نتصوّر لفظة أخرى تعطي مدلولا مثل ما لها من مدلول . وتلك واحدة من روائع القرآن في التعبير بما يقطع أنه معجز وأنه من طريق الوحي{[841]} .


[841]:- تفسير الرازي جـ 5 ص 57-62 والكشاف جـ 1 ص 566 وروح المعاني جـ 5 ص 153، 154.