تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٖ مُّحِيطٗا} (126)

الآية 126

وقوله تعالى : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } الآية . تأويل هذه الآية ، والله أعلم ، وإن أكرمهم ، وأعظم منزلتهم عنده ، وأعلاها ، فإنهم لم يأنفوا عن بعادته ، ولم يخرجوا أنفسهم من أن يكونوا عبيدا ، بل كلما{[6600]} ازداد لهم عند الله منزلة وقدر{[6601]} كانوا أخضع له وأطوع كقوله تعالى : { بل عباد مكرمون } { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون } ( الأنبياء : 26و27 ) وفي مواضع أخر{ لا يستكبرون من عباده } ( الأعراف : 206والنحل : 49 والأنبياء : 19 والسجدة : 15 ) { ولا يستحسرون } ( الأنبياء : 19 ) .

وقوله تعالى : { وكان الله بكل شيء محيطا } أي أحاط بكل شيء علمه . وهو يخرج على الوعيد ، أي( لا ){[6602]} عن جهل بصنعهم كملوك الأرض ، وبالله التوفيق .

وقوله عز وجل أيضا : { وكان الله بكل شيء محيطا } و{ بصير } ( البقرة : 96و . . . )و{ عليم } ( البقرة : 29و . . . ) ونحو ذلك يخرج على الوعيد والتخويف ليكونوا مراقبين له حذرين كمن يعلم في الأمور أن عليه رقيبا ، والله أعلم .

ويخرج على الثناء {[6603]} ( في وجهين :

أحدهما ){[6604]} : أنه أمر من يكتب الأعمال لا للخفاء عليه ، لكن بما إذ لا يمتحن لحاجة به ، ولكن لمصلحة عباده{[6605]} فيمتحن بما شاء . فامتحن أولئك الكتبة بما يكونون{[6606]} متقنين ناظرين لا يغفلون عن ذلك طاعة منهم لله .

والثاني : أن يكون العلم بمن يكتب عليه كل أمره في ما جبل عليه البشر أذكر له وأشد في التنبيه ، فجرى حكم الله في ذلك ، إذ أمر المحنة موضوع عن المصلحة ؛ وذلك أبلغ في الوجود ، والله أعلم .

ويخرج على أن الله تعالى بذلك{ محيطا } ليعلموا أنهم لا يتركون سدى ، بل يحصي عليهم للجزاء ، والله أعلم .

وجملة ذلك أن الله تعالى قال : { وكان } كذا لعلم أنه لا عن جهل خلق الخلق ، وبعث الرسل عليهم السلام وأنشأ الآيات مما عليه أمر الخلق أنهم يعاملون من ذكرت ، وذلك خارج على حق الحكمة ، وإن كان لا يعرف{[6607]} في بعث الرسل من يكذبهم ، ولا تقوية الأعداء على ما بذلك {[6608]} قهر الأولياء ، ولا الأمر والنهي لمن لا يأتمر ، ولا ينتهي ، كبير حكمة . وإنما كان ذلك من الله ، فهو خارج على حد الحكمة ، أو ذلك كله من الخلق يقع لحاجة أو لمنفعة ترجع إليهم . فإذا ناقض خرج الفعل من الحكمة .

فأما الله سبحانه وتعالى ( فإنه ){[6609]} يمتحن عباده ، ويبعث الرسل عليهم السلام لحاجة بالمبعوث إليهم وبالممتحنين ولمنافع ترجع إليهم ، فيكون ذلك منه كهدايا . /115-ب/ فمن لا يقبلها فنفسه( يضرها ويلحقها ){[6610]} بنحس ، فلا{[6611]} يرجع إليه ذلك ، ويزول {[6612]} ذلك المعنى الذي له خرج الفعل من الخلق عن الحكمة . فلزم القول بموافقة الحكمة والمصلحة ، ولا قوة إلا بالله .


[6600]:في الأصل وم: كلها.
[6601]:في الأصل وم: قدرا.
[6602]:ساقطة من الأصل وم.
[6603]:في الأصل وم: البناء.
[6604]:ساقطة من الأصل وم.
[6605]:في الأصل: العبادة، في م، لعباده.
[6606]:في الأصل وم: يكون، والإشارة إلى قوله تعالى:{كرام بررة} (عبس:16).
[6607]:في الأصل وم: يعرفون.
[6608]:في الأصل وم: به.
[6609]:ساقطة من الأصل.
[6610]:في الأصل وم: يضر ويلحقها.
[6611]:في الأصل وم: لا أن.
[6612]:في الأصل وم: فزال.