وبعد هذا الحديث الحكيم المتنوع - من أول السورة إلى هنا - عن وحدانية الله ، وقدرته النافذة وعلمه المحيط ، وعن أحقيته للعبادة والخضوع ، وعن الكتب السماوية وما اشتملت عليه من هدايات وعن محكم القرآن ومتشابهه ، وعن رعاية الله - تعالى - لعباده المؤمنين ، وعن تهديد الكافرين بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم ، وعن الشهوات التي يميل الإنسان بطبعه إليها وعما هو أفضل منها ، وعن دين الإسلام وأنه هو الدين الذى ارتضاه الله لعباده ، وعن بعض الرذائل التى عرفت عن أكثر أهل الكتاب ، وعن حث الناس على مراقبة الله - تعالى - وإخلاص العبادة له حتى يكونوا ممن يحبهم ويحبونه فيسعدوا في دينهم ودنياهم وآخرتهم . . .
بعد كل ذلك تحدث القرآن - في أكثر من ثلاثين آية - عمن اصطفاهم الله من عباده ، وعن جانب من قصة مريم ، وقصة زكريا وابنه يحيى - عليهما السلام - وعن قصة ولادة عيسى - عليه السلام - وما صاحبها من خرق للعادات ، وما منحه - سبحانه - من معجزات وعن محاجة الكافرين من أهل الكتاب في شأنه وكيف رد القرآن عليهم . . . استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكي ذلك بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول : { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }
قوله { اصطفى } من الاصطفاء وهو الاختيار والانتقاء وطلب الصفوة من كل شيء . وقوله { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ } الآل - كما يقول الراغب - مقلوب عن الأهل إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة . يقال آل فلان ولا يقال آل رجل ولا آل زمان كذا أو موضع كذا . . . ويضاف إلى الأشرف الأفضل فيقال آل الله وآل السلطان ولا يقال آل الحجام . . . . ويستعمل الآل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو بموالاة قال - تعالى - { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ } .
والمعنى : إن الله - تعالى - قد اختار واصطفى { ءَادَمَ } أبا البشر ، بأن جعله خليفة في الأرض ، وعلمه الأسماء كلها ، وأسجد له ملائكته .
واصطفى { نُوحاً } لأنه - كما يقول الآلوسى - آدم الأصغر ، والأب الثاني للبشرية ، وليس أحد على وجه البسيطة إلا من نسله لقوله - سبحانه - { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين } واصطفى { آلَ إِبْرَاهِيمَ } أى عشيرته وذوي قرباه وهم إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما .
واصطفى { آلَ عِمْرَانَ } إذ جعل فيهم عيسى - عليه السلام - الذى آتاه الله البينات ، وأيده بروح القدس .
والمراد بعمران هذا والد مريم أم عيسى - عليه سلام - فهو عمران بن ياشم بن ميشا بن حزقيا . . . . وينتهي نسبه إلى إبراهيم - عليه السلام - .
وإن في ذلك التسلسل دليل على أن الله - تعالى - قد اقتضت حكمته أن يجعل في الإنسانية من يهديها إلى الصراط المستقيم فقد ابتدأت الهداية بآدم أبى البشر كما قال - تعالى - : { ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى } ثم جاء من بعده بقرون لا يعلمها إلا الله نوح - عليه السلام - فمكث يدعو الناس إلى وحدانية الله وإلى مكارم الأخلاق " ألف سنة إلا خمسين عاماً " ثم جاء من بعد ذلك إبراهيم - عليه السلام - فدعا الناس إلى عبادة الله وحده ، فكان هو وآله صفوة الخلق وفيهم النبوة فمن إسماعيل بن إبراهيم كان محمد صلى الله عليه وسلم الذى ختمت به الرسالات السماوية .
ومن إسحاق وبنيه كان عدد من الأنبياء كداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون . . . ومن فرع إسحاق كان آل عمران وهم ذريته وأقاربه كزكريا ويحيى وعيسى الذي كان آخر نبي من هذا الفرع .
وفى التعبير بالاصطفاء تنبيه إلى أن آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران صفوة الخلق ، إذ أن الرسل والأنبياء جميعا من نسلهم .
وقوله { عَلَى العالمين } أى على عالمى زمانهم . أى أهل زمان كل واحد منهم .
والأن نأخذ في استعراض النصوص تفصيلا .
يبدأ هذا القصص ببيان من اصطفاهم الله من عباده واختارهم لحمل الرسالة الواحدة بالدين الواحد منذ بدء الخليقة ، ليكونوا طلائع الموكب الإيماني في شتى مراحله المتصلة على مدار الأجيال والقرون . فيقرر أنهم ذرية بعضها من بعض . وليس من الضروري أن تكون ذرية النسب - وإن كان نسب الجميع يلتقي في آدم ونوح - فهي أولا رابطة الاصطفاء والاختيار الإلهي ؛ ونسب هذه العقيدة الموصول في ذلك الموكب الإيماني الكريم :
( إن الله اصطفى آدم ونوحا ، وآل إبراهيم وآل عمران ، على العالمين ) .
يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض ، فاصطفى آدم ، عليه السلام ، خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وأسكنه الجنة ثم أهبطه منها ، لما له في ذلك من الحكمة .
واصطفى نوحا ، عليه السلام ، وجعله أول رسول [ بعثه ]{[4947]} إلى أهل الأرض ، لما عبد الناس الأوثان ، وأشركوا في دين الله ما لم ينزل به سلطانا ، وانتقم له لما طالت مدته بين ظَهْرَاني قومه ، يدعوهم إلى الله ليلا ونهارًا ، سرا وجهارًا ، فلم يزدهم ذلك إلا فرارًا ، فدعا عليهم ، فأغرقهم الله عن آخرهم ، ولم يَنْجُ منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به .
واصطفى آل إبراهيم ، ومنهم : سيد البشر وخاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم ، وآل عمران ، والمراد بعمران هذا : هو والد مريم بنت عمران ، أم عيسى ابن مريم ، عليهم السلام . قال محمد بن إسحاق بن يَسار{[4948]} رحمه الله : هو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن يوثم بن عزاريا{[4949]} ابن أمصيا بن ياوش بن أجريهو بن يازم بن يهفاشاط بن إنشا بن أبيان{[4950]} بن رخيعم بن سليمان بن داود ، عليهما السلام . فعيسى ، عليه السلام ، من ذرية إبراهيم ، كما سيأتي بيانه في سورة الأنعام ، إن شاء الله وبه الثقة .
{ إِنّ اللّهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }
يعني بذلك جل ثناؤه : إن الله اجتبى آدم ونوحا ، واختارهما لدينهما ، { وآلَ إِبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ } لدينهم الذي كانوا عليه ، لأنهم كانوا أهل الإسلام . فأخبر الله عزّ وجلّ أنه اختار دين من ذكرنا على سائر الأديان التي خالفته . وإنما عنى بآل إبراهيم وآل عمران المؤمنين .
وقد دللنا على أن آل الرجل أتباعه وقومه ومن هو على دينه . وبالذي قلنا في ذلك روي القول عن ابن عباس أنه كان يقوله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على العَالَمِينَ } قال : هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد ، يقول الله عزّ وجلّ : { إِنّ أوْلى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ للّذِينَ اتّبَعُوهُ } وهم المؤمنون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على العَالَمِينَ } رجلان نبيان اصطفاهما الله على العالمين .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على العَالَمِينَ } قال : ذكر الله أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ففضلهم على العالمين ، فكان محمد من آل إبراهيم .
حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وآلَ إِبْرَاهِيمَ } إلى قوله : { وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } قال : فضلهم الله على العالمين بالنبوة على الناس كلهم كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم .
لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران والرد عليهم وبيان فساد ما هم عليه جاءت هذه الآية معلمة بصورة الأمر الذي قد ضلوا فيه ، ومنبئة عن حقيقته كيف كانت ، فبدأ تعالى بذكر فضله على هذه الجملة التى { آل عمران } منها ثم خص { امرأة عمران } بالذكر لأن القصد وصف قصة القوم إلى أن يبين أمر عيسى عليه السلام وكيف كان و{ اصطفى } معناه : اختار صفو الناس فكان ذلك هؤلاء المذكورين وبقي الكفار كدراً ، و{ آدم } هو أبونا عليه السلام اصطفاه الله تعالى بالإيجاد والرسالة إلى بنيه والنبوة والتكليم حسبما ورد في الحديث{[3096]} وحكى الزجاج عن قوم { إن الله اصطفى آدم } عليه السلام بالرسالة إلى الملائكة في قوله : { أنبئهم بأسمائهم }{[3097]} وهذا ضعيف ، ونوح عليه السلام هو أبونا الأصغر في قول الجمهور هو أول نبي بعث إلى الكفار ، وانصرف نوح مع عجمته وتعريفه لخفة الاسم ، كهود ولوط ، و{ آل إبراهيم } يعني بإبراهيم الخليل عليه السلام والآل في اللغة ، الأهل والقرابة ، ويقال للأتباع وأهل الطاعة آل ، فمنه آل فرعون ، ومنه قول الشاعر وهو أراكة الثقفي في رثاء النبي عليه السلام وهو يعزي نفسه في أخيه عمرو{[3098]} : [ الطويل ]
فَلاَ تَبْكِ مَيْتاً بَعْدَ مَيْتٍ أَجنَّهُ . . . عليٌّ وَعَبَّاسٌ وآلُ أبي بَكْرِ
أراد جميع المؤمنين ، و «الآل » في هذه الآية يحتمل الوجهين ، فإذا قلنا أراد بالآل القرابة والبيتية فالتقدير { إن الله اصطفى } هؤلاء على عالمي زمانهم أو على العالمين عاماً يقدر محمداً عليه السلام من آل إبراهيم ، وإن قلنا أرد بالآل الأتباع فيستقيم دخول أمة محمد في الآل لأنها على ملة إبراهيم ، وذهب منذر بن سعيد وغيره إلى أن ذكر آدم يتضمن الإشارة إلى المؤمنين به من بنيه وكذلك ذكر نوح عليه السلام وأن «الآل » الأتباع فعمت الآية جميع مؤمني العالم فكان المعنى ، أن الله اصطفى المؤمنين على الكافرين ، وخص هؤلاء بالذكر تشريفاً لهم ولأن الكلام في قصة بعضهم ، و{ آل عمران } أيضاً يحتمل من التأويل ما تقدم في { آل إبراهيم } ، وعمران هو رجل من بني إسرائيل من ولد سليمان بن داود فيما حكى الطبري ، قال مكي : هو عمران بن ماثال{[3099]} ، وقال قتادة في تفسير هذه الآية : ذكر الله تعالى أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ، ففضلهم على العالمين فكان محمد من آل إبراهيم ، وقال ابن عباس : «اصطفى الله » هذه الجملة بالدين والنبوة والطاعة له .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن الله اصطفى آدم ونوحا}: اختار من الناس لرسالته آدم ونوحا. {وآل إبراهيم}: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط. {وآل عمران}: موسى وهارون، ذرية آل عمران اختارهم للنبوة والرسالة. {على العالمين}: عالمي ذلك الزمان...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن الله اجتبى آدم ونوحا، واختارهما لدينهما. {وآلَ إِبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ}: لدينهم الذي كانوا عليه، لأنهم كانوا أهل الإسلام. فأخبر الله عزّ وجلّ أنه اختار دين من ذكرنا على سائر الأديان التي خالفته. وإنما عنى بآل إبراهيم وآل عمران المؤمنين.
وقد دللنا على أن آل الرجل أتباعه وقومه ومن هو على دينه...عن ابن عباس، قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد، يقول الله عزّ وجلّ: {إِنّ أوْلى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ للّذِينَ اتّبَعُوهُ} وهم المؤمنون... فضلهم الله على العالمين بالنبوة على الناس كلهم كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الاصطفاء: أن يجعلهم صافين من غير تكدر بالدنيا وغيرها، وقيل: اختارهم لأمرين: لأمر الآخرة ولأمر المعاش...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وهذا من حسن البيان الذي يمثل فيه المعلوم بالمرئي؛ وذلك أن الصافي هو النقي من شائب الكدر فيما يشاهد، فمثل به خلوص هؤلاء القوم من الفساد لما علم الله ذلك من حالهم لأنهم كخلوص الصافي من شائب الأدناس...
والاصطفاء: هو الاختصاص بحال خالصة من الأدناس...
ويقال ذلك على وجهين: اصطفاه لنفسه أي جعله خالصا له يختص به. والثاني -اصطفاه على غيره أي اختصه بالتفضيل على غيره وهو معنى الآية...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
اتفق آدم وذريته في الطينة، وإنما الخصوصية بالاصطفاء الذي هو من قِبَلِه، لا بالنَّسَب ولا بالسبب...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والآل في اللغة: الأهل والقرابة، ويقال للأتباع وأهل الطاعة: آل؛ فمنه: آل فرعون،... و «الآل» في هذه الآية يحتمل الوجهين؛ فإذا قلنا أراد بالآل القرابة والبيتية فالتقدير {إن الله اصطفى} هؤلاء على عالمي زمانهم أو على العالمين عاماً يقدر محمداً عليه السلام من آل إبراهيم. وإن قلنا أرد بالآل الأتباع فيستقيم دخول أمة محمد في الآل لأنها على ملة إبراهيم...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} بالرسالة والخصائص الروحانية والجسمانية، ولذلك قووا على ما لم يقو عليه غيرهم. لما أوجب طاعة الرسول وبين أنها الجالبة لمحبة الله عقب ذلك ببيان مناقبهم تحريضا عليها، وبه استدل على فضلهم على الملائكة،...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان الأصفياء أخص من مطلق الأحباب بين بعض الأصفياء وما أكرمهم به تصديقاً لقوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الشريف "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها "تنبيهاً لوفد نصارى نجران وغيرهم على أنه مثل ما اصطفى لنفسه ديناً اصطفى للتخلق به ناساً يحبونه ويطيعونه ويوالون أولياءه ويعادون أعداءه، وليسوا من صفات الكافرين في شيء فقال -أو يقال: إنه سبحانه وتعالى لما شبه أفعاله في التشابه وغيره بأقواله وعرف أن الطريق الأقوم رد المتشابه منها إلى الواضح المحكم والالتجاء في كشف المشكل إليه مع الاعتقاد الجازم المستقيم، وبين أن الموقف عن هذا الطريق الأقوم الوقوف مع العرض الدنيوي مع الرئاسة وغيرها وألف الدين مع التعلل فيه بالتمني الفارغ، وأنهى ذلك وتوابعه إلى أن ختم بتهديد من تولى عن الحق أخذ في تصوير تصويره في الأرحام كيف شاء بما شوهد من ذلك ولم يشك فيه من أحوال أناس هم من خلص عباده المقبلين على ما يرضيه فقال: أو يقال ولعله أحسن:
ولما أخبر سبحانه وتعالى أن أهل الكتاب ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم فكفروا بذلك، وألحق به ما تبعه إلى أن ختم بالأمر باتباع الرسول وبأنه لا يحب الكافرين بالتولي عن رسله اشتد تشوف النفس إلى معرفة الرسل الآتين بالعلم الذين توجب مخالفتهم الكفر فبينهم بقوله: وقال الحرالي: لما كان منزل هذه السورة لإظهار المحكم والمتشابه في الخلق والأمر قدم سبحانه وتعالى بين يدي إبانة متشابه خلق عيسى عليه الصلاة والسلام وجه الاصطفاء المتقدم للآدمية ومن منها من الذرية لتظهر معادلة خلق عيسى عليه الصلاة والسلام آخراً لمتقدم خلق آدم عليه الصلاة والسلام أولاً، حتى يكونا مثلين محيطين بطرفي الكون في علو روحه ودنو أديم تربته وأنه سبحانه وتعالى نزل الروح إلى الخلق الآدمي كما قال (ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام: 9] وظهر أثر ذلك اللبس بما وقع لأهل الزيغ في عيسى كما أنه رقى الخلق الطيني رتبة رتبة إلى كمال التسوية إلى أن نفخ فيه من روحه، فكان ترقي الآدمي إلى النفخة لتنزل الروح إلى الطينة الإنسانية التي تم بها وجود عيسى عليه الصلاة والسلام كما كمل وجود آدم عليه الصلاة والسلام بالنفخة...
{إن الله} أي بجلاله وعظمته وكماله في إحاطته وقدرته {اصطفى} أي للعلم والرسالة عنه سبحانه وتعالى إلى خلقه والخلافة له في ملكه {آدم} أباكم الأول الذي لا تشكون في أنه خلقه من تراب، وهو تنبيه لمن غلط في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام على أن أعظم ما استغربوا من عيسى كونه من غير ذكر، وآدم أغرب حالاً منه بأنه ليس من ذكر ولا أنثى ولا من جنس الأحياء- كما سيأتي ذلك صريحاً بعد هذا التلويح لذي الفهم الصحيح.
قال الحرالي: فاصطفاه من كلية مخلوقه الذي أبداه ملكاً وملكوتاً خلقاً وأمراً، وأجرى اسمه من أظهر ظاهره الأرضي وأدنى أدناه، فسماه آدم من أديم الأرض، على صيغة أفعل، التي هي نهاية كمال الآدمية والأديمية. فكان مما أظهر تعالى في اصطفاء آدم ما ذكر جوامعه علي رضي الله عنه في قوله: لما خلق الله سبحانه وتعالى أبان فضله للملائكة وأراهم ما اختصه به من سابق العلم من حيث علمه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء فجعل الله سبحانه وتعالى آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلة، أسجد له الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم على مستودعه وكشف له خطر ما ائتمنه عليه بعد أن سماه عند الملائكة إماماً، فكان تنبيهه على خطر أمانته ثمرة اصطفائه -انتهى. {ونوحاً} أباكم الثاني الذي أخرجه من بين أبوين شابين على عادتكم المستمرة فيكم. وقال الحرالي: أنبأ تعالى أنه عطف لنوح عليه الصلاة والسلام اصطفاء على اصطفاء آدم ترقياً إلى كمال الوجود الآدمي وتعالياً إلى الوجود الروحي، فاصطفى نوحاً عليه الصلاة والسلام بما جعله أول رسول بتوحيده من حيث دحض الشرك وأقام كلمة الإيمان بقول "لا إله إلا الله"، لما تقدم بين آدم ونوح من عبادة الأصنام والأوثان، فكان هذا الاصطفاء اصطفاء باطناً لذلك الاصطفاء الظاهر فتأكد الاصطفاء وجرى من أهلكته طامة الطوفان مع نوح عليه الصلاة والسلام من الذر الآدمي مجرى تخليص الصفاوات من خثارتها، وكما صفي آدم من الكون كله صفى نوحا عليه السلام وولده الناجين معه من مطرح الخلق الآدمي الكافرين الذين لا يلدون إلا فاجراً كفاراً، فلم يكن فيهم ولا في مستودع ذراريهم صفاوة تصلح لمزية الإخلاص الذي اختص بصفوته نوح عليه الصلاة والسلام
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} [الأحزاب: 7] فكان ميثاق نوح عليه السلام ما قام به من كلمة التوحيد ورفض الأصنام والطاغوت التي اتخذها الظلمانيون من ذر آدم، فتصفى بكلمة التوحيد النورانيون منه، فكان نوح عليه الصلاة والسلام ومن نجا معه صفوة زمانه، كما كان آدم صفوة حينه- انتهى.
ولما كان أكثر الأنبياء من نسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام زاد في تعظيمه بقوله: {وآل إبراهيم} أي الذين أوجد فيهم الخوارق ولا سيما في إخراج الولد من بين شيخين كبيرين لا يولد لمثلهما، وفي ذلك إشارة إلى أن عيسى عليه الصلاة والسلام مثلهم لأنه أحدهم، وكذا قوله: {وآل عمران} في قوله: {على العالمين} إشارة إلى أنه كسائر أقاربه منهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تقول الروايات التي تصف المناظرة بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نجران اليمن: إن هذا القصص الذي ورد في هذه السورة عن مولد عيسى عليه السلام، ومولد أمه مريم، ومولد يحيى، وبقية القصص جاء ردا على ما أراد الوفد إطلاقه من الشبهات؛ وهو يستند إلى ما جاء في القرآن عن عيسى عليه السلام بأنه كلمة الله إلى مريم وروح منه؛ وأنهم كذلك سألوا عن أمور لم ترد في سورة مريم وطلبوا الجواب عنها.. وقد يكون هذا صحيحا.. ولكن ورود هذا القصص في هذه السورة على هذا النحو يمضي مع طريقة القرآن العامة في إيراد القصص لتقرير حقائق معينة يريد إيضاحها. وغالبا ما تكون هذه الحقائق هي موضوع السورة التي يرد فيها القصص؛ فيساق القصص بالقدر وبالأسلوب الذي يركز هذه الحقائق ويبرزها ويحييها.. فما منشك أن للقصص طريقته الخاصة في عرض الحقائق، وإدخالها إلى القلوب، في صورة حية، عميقة الإيقاع، بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية وهي تجري في الحياة البشرية. وهذا أوقع في النفس من مجرد عرض الحقائق عرضا تجريديا. وهنا نجد هذا القصص يتناول ذات الحقائق التي يركز عليها سياق السورة، وتظهر فيها ذات الخطوط العريضة فيها. ومن ثم يتجرد هذا القصص من الملابسة الواقعة المحدودة التي ورد فيها؛ ويبقى عنصرا أصيلا مستقلا؛ يتضمن الحقائق الأصيلة الباقية في التصور الاعتقادي الإسلامي. إن القضية الأصيلة التي يركز عليها سياق السورة كما قدمنا هي:قضية التوحيد. توحيد الألوهية وتوحيد القوامة.. وقصة عيسى -وما جاء من القصص مكملا لها في هذا الدرس- تؤكد هذه الحقيقة، وتنفي فكرة الولد والشريك، وتستبعدهما استبعادا كاملا؛ وتظهر زيف هذه الشبهة وسخف تصورها؛ وتبسط مولد مريم وتاريخها، ومولد عيسى وتاريخ بعثته وأحداثها، بطريقة لا تدع مجالا لإثارة أية شبهة في بشريته الكاملة، وأنه واحد من سلالة الرسل، شأنه شأنهم، وطبيعته طبيعتهم، وتفسر الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيرا لا تعقيد فيه ولا غموض، من شأنه أن يريح القلب والعقل، ويدع الأمر فيهما طبيعيا عاديا لا غرابة فيه.. حتى إذا عقب على القصة بقوله: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له:كن. فيكون).. وجد القلب برد اليقين والراحة؛ وعجب كيف ثارت تلك الشبهات حول هذه الحقيقة البسيطة؟ والقضية الثانية التي تنشأ من القضية الأولى في سياق السورة كله هي قضية حقيقة الدين وأنه الإسلام. ومعنى الإسلام وأنه الاتباع والاستسلام.. وهذه ترد كذلك في ثنايا القصص واضحة.. ترد في قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم).. وفي هذا القول تقرير لطبيعة الرسالة، وأنها تأتي لإقرار منهج، وتنفيذ نظام، وبيان الحلال والحرام، ليتبعه المؤمنون بهذه الرسالة ويسلموا به.. ثم يرد معنى الاستسلام والاتباع على لسان الحواريين: (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال:من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون:نحن أنصار الله، آمنا بالله، واشهد بأنا مسلمون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين).. ومن الموضوعات التي يركز عليها سياق السورة تصوير حال المؤمنين مع ربهم.. وهذا القصص يعرض جملة صالحة من هذه الحال في سير هذه النخبة المختارة من البشر، التي اصطفاها وجعلها ذرية بعضها من بعض. وتتمثل هذه الصور الوضيئة في حديث امرأة عمران مع ربها ومناجاته في شأن وليدتها.. وفي حديث مريم مع زكريا. وفي دعاء زكريا ونجائه لربه. وفي رد الحواريين على نبيهم، ودعائهم لربهم.. وهكذا.. حتى إذا انتهى القصص جاء التعقيب متضمنا وملخصا هذه الحقائق، معتمدا على وقائع القصص في تقرير الحقائق التي يقررها.. فيتناول حقيقة عيسى -عليه السلام- وطبيعة الخلق والإرادة الإلهية. والوحدانية الخالصة. ودعوة أهل الكتاب إليها. ودعوتهم إلى المباهلة عليها.. وينتهي الدرس ببيان جامع شامل لأصل هذه الحقيقة ليتوجه به النبي [ص] إلى أهل الكتاب عامة.. من حضر منهم المناظرة ومن لم يحضر، ومن كان من ذلك الجيل ومن يجيء بعده إلى آخر الزمان (قل: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم:ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. فإن تولوا فقولوا:اشهدوا بأنا مسلمون).. بهذا ينتهي الجدل؛ ويتبين ماذا يريد الإسلام من الناس، وماذا يضع لحياتهم من أساس. ويحدد معنى الدين ومعنى الإسلام؛ وتنتفي كل صورة مشوهة أو مدخولة يدعي لها أصحابها أنها دين. أو أنها إسلام.. وهذا هو الهدف النهائي للدرس الماضي، وللسورة كلها كذلك، تولاها القصص بالبيان والإيضاح في الصورة القصصية الجميلة الجذابة العميقة الإيحاء.. وهذه وظيفة القصص القرآني وطبيعته التي تحكم أسلوبه وطريقة عرضه في شتى السور على نهج خاص. وقد عرضت قصة عيسى في سورة مريم، وعرضت هنا. وبمراجعة النصوص هنا وهناك تبدو زيادة بعض الحلقات هنا، مع اختصار في بعض الحلقات.. فقد كان هناك تفصيل مطول في سورة مريم لحلقة مولد عيسى. ولم تكن هناك حلقة مولد مريم. وهنا تفصيل في رسالة عيسى والحواريين واختصار في قصة مولده كما أن التعقيب هنا أطول لأنه جاء بصدد مناظرات حول قضية أشمل، وهي قضية التوحيد والدين والوحي والرسالة، مما لم يكن موجودا في سورة مريم.. مما يكشف عن طبيعة الأسلوب القرآني في عرض القصص، مساوقا لجو السورة التي يعرض فيها، ولمناسبته فيها.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
اختارهم مؤثرا لهم على غيرهم، وفي التعبير بالاصطفاء إشارة إلى أن آدم و نوحا،وآل إبراهيم وآل عمران هم صفوة الناس والتعبير بعلى في قوله تعالى: {على العالمين} إشارة إلى معنى التفضيل على غيرهم من الناس؛ فهم صفوة الناس،وهم مفضلون على كل الناس. وآل إبراهيم هم أسرة إبراهيم بفروعهم، سواء منهم من أووا إلى مكة وكان منهم صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم،ومن كانوا في الأرض المقدسة وكان منهم النبيون من بعد؛ وآل عمران هم ذرية عمران،وهو أبو مريم البتول، ومن ذرية عمران السيد المسيح عليه السلام الذي خلقه رب العالمين بكلمة منه هي "كن"...
وإن في ذلك التسلسل إشارة إلى أن الخليقة لم تخل من هاد يهديها إلى الحق وإلى صراط مستقيم؛ فقد ابتدأت الهداية بأبي الإنسانية آدم كما قال تعالى: {ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [طه 122] فهو اول خليفة،وأول هاد للإنسانية بمقتضى أبوته، وبمقتضى اجتباء الله تعالى له،وقد حكم بأنه هداه، واهتدى به بنوه من بعده...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
في هذا الربع الذي نحن بصدد تفسيره يتصدى القرآن الكريم بتفصيل أوفى لبيان قصة حمل مريم وقصة ميلاد ابنها عيسى، موضحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحق في أمرهما، مبطلا كل الأساطير والشبهات التي قامت من حولهما. وأول آية في هذا الربع هي بمنزلة المدخل والتمهيد إلى هذه القصة المثيرة، الباعثة على مزيد من التأمل والاعتبار، والآية التمهيدية هنا تشير على وجه العموم إلى الأسرة الفاضلة التي برزت بواسطتها وعن طريقها إرادة الحق سبحانه وتعالى في مجال الخلق والإبداع، مجال الأمر والاتباع {أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ}. وهذه الأسرة الصالحة التي نفذت إرادة الله، وبلغت إلى الخلق أمره ونهيه، تعني أسرة الأنبياء والرسل، ممن أخذوا على عاتقهم هداية الخلق وتربيتهم، وتولوا نقل الأمانة التي اختار الله لحملها الإنسان، وعملوا على حفظها وصيانتها من كل ما قد يتسرب إليها، وقاموا بتجديد أمرها على مر الزمان...
قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}. وها هنا يجب التنبيه إلى أن النظرة الإسلامية القرآنية في التفضيل والتفاوت بالنسبة لإنسان على آخر، وفريق على فريق، إنما تقوم في البداية، وتؤول في النهاية، إلى عوامل أخلاقية ونفسية بحتة، ترتبط بمجرد السلوك والعمل، فالتفضيل الإسلامي تفضيل معنوي روحي أخلاقي لا علاقة له بالجنس ولا باللون ولا بالبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص، على حد قوله تعالى {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم}...
إن الحق يعطي صفات التكريم لأهل أديان منسوبين إلى ما أنزله الله عليهم من منهج. وجاء الإسلام لينسخ بعضا مما جاء في تلك الرسالات السابقة ويضعها في منهج واحد باق إلى يوم القيامة، هو منهج الإسلام، إنه مطلق العظمة. ها هو ذا الحق يقول: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}... {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}. وعندما تقول: اصطفيت كذا على كذا، فمعنى ذلك أنه كان من الممكن أن تصطفى واحدا من مجموعة على الآخرين، ولذلك نفهم المقصود ب "على العالمين "أي على عالمي زمانهم، إنهم قوم موجودون وقد اصطفى منهم واحدا، أما الذي سيولد من بعد ذلك فلا اصطفاء عليه، فلا اصطفاء على محمد صلى الله عليه وسلم...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} الاصطفاء يعني الاختيار الذي يوحي بالتفضيل، انطلاقاً من الملكات والصفات الذاتية التي أودعها الله فيهم، فقد اختار الله آدم لدور الخلافة الأولى في الأرض، من أجل أن يبدأ الرحلة الإنسانية التي تبني الأرض وتعمّرها على أساس التخطيط الإلهي،... فإن قضية الرسالة ليست مجرد فكر يقدّم للناس من أجل هدايتهم، وليست مشاعر تنبض في القلب لتعطي الناس رصيداً كبيراً من العواطف، ولكنها القوّة التي تتحرك من أعماق الروح لتغير الواقع وفق التخطيط الإلهي للحياة في كل ما يعنيه من تغيير للإنسان في الداخل والخارج. ومن هنا، نستطيع أن نقرر أن الرسول لا بد من أن يكون شخصاً غير عادي في ملكاته الروحيّة ليستطيع القيام بهذه المهمّة الكبيرة، ولن يعرف ذلك إلا خالق الإنسان، في ما أودعه في داخله من قدرات روحيّة وفكرية. إنه البشر النموذج والرسول الإنسان بكل ما يوحي به مدلول الرسالة في عمق مدلول الإنسان...