الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (33)

قوله : { وَنُوحاً } : " نوح " اسم أعجمي لا اشتقاق له عند محققي النحويين ، وزعم بعضُهم أنه مشتق من النُّواح ، وهذا كما تقدم لهم في آدم وإسحاق ويعقوب ، وهو منصرفٌ وإن كان فيه علتان فرعيتان : العلمية والعجمة الشخصية لخفةِ بنائه بكونه ثلاثياً ساكنَ الوسط ، وقد جَوَّزَ بعضهم منعَه قياساً على " هند " وبابِها لا سماعاً إذ لم يُسْمع إلا مصروفاً .

وادَّعى الفراء أن في الكلام حذفَ مضاف تقديرُهُ : " إن الله اصطفى دين آدم " . قال التبريزي : " وهذا ليسَ بشيء ، لأنه لو كان الأمر على ذلك لقيل : " ونوحٍ " إذ الأصل : دين آدمَ ودين نوحٍ ، وهذه سَقْطَةٌ فاحشة من التبريزي ، إذ لا يلزم أنه إذا حُذف المضافُ بقي المضاف إليه مجروراً حتى يَرُدَّ على الفراء بذلك ، بل المشهورُ الذي لا تَعْرِفُ الفصحاء غيرَه إعرابُ المضاف إليه بإعرابِ المضاف حين حَذْفِه ، ولا يجوز بقاؤُهُ على جَرِّه إلا في قليل من الكلام بشرطٍ ذُكِرَ في النحو ، وسيأتي لك في الأنفال ، وكان ينبغي على رأي التبريزي أن يكون قولُه تعالى : { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ }

[ يوسف : 82 ] بجر " القرية " لأنَّ الكل هو وغيرُه يقولون : هذا على حَذْفٍ تقديرُه : " أهلَ القرية " .

و " عِمْران " اسم أعجمي . وقيل : عربي مشتق من العَمْر ، وعلى كلا القولين فهو ممنوعُ الصرف : إمَّا للعلَميَّة والعجمة الشخصية ، وإمَّا للعلَمية وزيادة الألف والنون .

قوله تعالى : { عَلَى الْعَالَمِينَ } متعلقٌ باصطفى ، فإن قيل : اصطفى يتعدَّى بمن نحو : " اصطفيتك مِنَ الناس " فالجواب أنه ضُمِّنَ معنى " فَضَّل " أي : فَضَّلهم بالاصطفاء .