نوح : اسم أعجمي مصروف عند الجمهور وإن كان فيه ما كان يقتضي منع صرفه وهو : العلمية والعجمة الشخصية ، وذلك لخفة البناء بكونه ثلاثياً ساكن الوسط لم يضف إليه سبب آخر ، ومن جوز فيه الوجهين فبالقياس على هذا لا بالسماع ، ومن ذهب إلى أنه مشتق من النواح فقوله ضعيف ، لأن العجمة لا يدخل فيها الاشتقاق العربي إلاَّ إِنْ ادعى أنه مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة العجم ، فيمكن ذلك .
ويسمى : آدم الثاني واسمه السكن ، قاله غير واحد ، وهو ابن لملك بن متوشلخ بن اخنوخ بن سارد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم .
عمران : اسم أعجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، ولو كان عربياً لامتنع أيضاً للعلمية ، وزيادة الألف والنون إذ كان يكون اشتقاقه من العمر واضحاً .
{ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } قال ابن عباس : قالت اليهود : نحن أبناء إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب .
وقيل : في نصارى نجران لما غلوا في عيسى ، وجعلوه ، ابن الله تعالى ، واتخذوه إلهاً ، نزلت رداً عليهم ، وإعلاماً أن عيسى من ذرية البشر المتنقلين في الأطوار المستحيلة على الإله ، واستطرد من ذلك إلى ولادة أمه ، ثم إلى ولادته هو ، وهذه مناسبة هذه الآيات لما قبلها .
لما قدم قبل : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ووليه { قل أطيعوا الله والرسول } وختمها بأنه { لا يحب الكافرين } ذكر المصطفين الذين يحب اتباعهم ، فبدأ أولاً بأولهم وجوداً وأصلهم ، وثنى بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر ليس أحد على وجه الأرض إلاَّ من نسله ، ثم أتى ثالثاً بآل إبراهيم ، فاندرج فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المأمور باتباعه وطاعته ، وموسى عليه السلام ، ثم أتى رابعاً بآل عمران ، فاندرج في آله مريم وعيسى عليهما السلام ، ونص على آل إبراهيم لخصوصية اليهود بهم ، وعلى آل عمران لخصوصية النصارى بهم ، فذكر تعالى جعلَ هؤلاءِ صفوة ، أي مختارين نقاوة .
وهذا من تمثيل المعلوم بالمحسوس .
منها خلقة أول هذا الجنس الشريف ، وجعله خليفة في الأرض ، وإسجاد الملائكة له ، واسكانه جنته ، إلى غير ذلك مما شرّفه به .
واصطفاء نوح عليه السلام بأشياء ، منها : أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض بتحريم : البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر ذوي المحارم ، وأنه أب الناس بعد آدم وغير ذلك ، واصطفاء آل إبراهيم عليه السلام بأن جعل فيهم النبوّة والكتاب .
قال ابن عباس ، والحسن : آل إبراهيم من كان على دينه .
وقال مقاتل : آله اسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط .
وقيل : المراد بآل إبراهيم إبراهيم نفسه .
وتقدّم لناشىء من الكلام على ذلك في قوله : { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون }
وعمران هذا المضاف إليه : آل ، قيل هو : عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود ، وهو أبو مريم البتول أم عيسى عليه السلام ، قاله : الحسن ووهب .
وقيل : هو عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن نصير قاله مقاتل .
فعلى الأول آله عيسى ، قاله الحسن وعلى الثاني آله موسى وهارون ، قاله مقاتل .
وقيل : المراد بآل عمران عمران نفسه ، والظاهر في عمران أنه أبو مريم لقوله بعد { إذ قالت امرأة عمران } فذكر قصة مريم وابنها عيسى ، ونص على أن الله اصطفاها بقوله { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك } فقوله : { إذ قالت امرأة عمران } كالشرح لكيفية الاصطفاء ، لقوله : وآل عمران ، وصار نظير تكرار الاسم في جملتين ، فيسبق الذهن إلى أن الثاني هو الأول ، نحو : أكرم زيداً رجل صالح .
وإذا كان المراد بالثاني غير الأول ، كان في ذلك إلباس على السامع .
وقد رجح القول الآخر بأن موسى يقرن بإبراهيم كثيراً في الذكر ، ولا يتطرق الفهم إلى أن عمران الثاني هو أبو موسى وهارون ، وإن كانت له بنت تسمى مريم ، وكانت أكبر من موسى وهارون سناً ، للنص على أن مريم بنت عمران بن ماثان ولدت عيسى ، وأن زكريا كفل مريم أم عيسى ، وكان زكريا قد تزوج أخت مريم إمشاع ابنة عمران بن ماثان فكان يحيى وعيسى ابني خالة ، وبين العمرانين والمريمين أعصار كثيرة .
قيل : بين العمرانين ألف سنة وثمانمائة سنة .
والظاهر أن الآل من يؤول إلى الشخص في قرابة أو مذهب ، والظاهر أنه نص على هؤلاء هنا في الاصطفاء للمزايا التي جعلها الله تعالى فيهم .
وذهب قاضي القضاة بالأندلس : أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي ، رحمه الله ورضي عنه ، إلى أن ذكر آدم ونوح تضمن الإشارة إلى المؤمنين من بينهما ، وأن الآل الأتباع ، فالمعنى أن الله اصطفى المؤمنين على الكافرين ، وخص هؤلاء بالذكر تشريفاً لهم ، ولأن الكلام في قصة بعضهم .
انتهى ما قال ملخصاً ، وقوله شبيه في المعنى بقول من تأول قوله آدم وما بعده على حذف مضاف ، أي : أن الله اصطفى دين آدم .
وروي معناه عن ابن عباس ، قال : المراد اصطفى دينهم على سائر الأديان ، واختاره الفراء .
وقال التبريزي : هذا ضعيف ، لأنه لو كان ثَمَّ مضاف محذوف لكان : ونوح مجروراً ، لأن آدم محله الجر بالإضافة ، وهذا الذي قاله التبريزي ليس بشيء ، ولولا تسطيره في الكتب ما ذكرته .
لأنه لا يلزم أن يجر المضاف إليه إذا حذف المضاف ، فيلزم جر ما عطف عليه ، بل يعرب المضاف إليه بإعراب المضاف المحذوف .
ألا ترى إلى قوله { واسأل القرية } وأما إقراره مجروراً فلا يجوز إلا بشرط ذكر في علم النحو .
{ على العالمين } متعلق باصطفى ، ضمنه معنى فضل ، فعداه بعلى .
ولو لم يضمنه معنى فضل لعدى بمن .
قيل : والمعنى على عالمي زمانهم ، واللفظ عام ، والمراد به الخصوص كما قال جرير :
ويضحى العالمون له عيالاً *** وقال الحطيئة :
أراح الله منك العالمينا *** وكما تؤول في { وأني فضلتكم على العالمين }
وقال القتبي : لكل دهر عالم ، ويمكن أين يخص بمن سوى هؤلاء ، ويكون قد اندرج في قوله : وآل إبراهيم محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون المعنى : إن هؤلاء فضلوا على من سواهم من العالمين .
واشتراكهم في القدر المشترك من التفضيل لا يدل على التساوي في مراتب التفضيل ، كما تقول : زيد وعمر وخال أغنياء ، فاشتراكهم في القدر المشترك من الغنى لا يدل على التساوي في مراتب الغنى ، وإذا حملنا : العالمين ، على من سوى هؤلاء ، كان في ذلك دلالة على تفضيل البشر على الملائكة ، لأنهم من سوى هؤلاء الصطفين ، وقد استدل بالآية على ذلك .
ولا يمكن حمل : العالمين ، على عمومه لأجل التناقض ، لأن الجمع الكثير إذا وصفوا بأن كل واحد منهم أفضل من كل العالمين ، يلزم كل واحد منهم أن يكون أفضل من الآخر ، وهو محال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.