تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (33)

الآية 33 وقوله تعالى { إن الله اصطفى آدم } اختلف فيه : قيل : { اصطفى آدم ونوحا } ومن ذكر لرسالته ولنبوته ، وقيل : اختارهم لدينه ، وهو الإسلام ، وقيل : اختاركم في النية والعمل الصالح والإخلاص .

قال الشيخ ، رحمه الله : الاصطفاء أن يجعلهم صافين{[3756]} من غير تكدر بالدنيا [ وغيرها ، وقيل : اختارهم ]{[3757]} لأمرين لأمر الآخرة ولأمر المعاش ، ألا ترى إلى قوله جل وعلا : ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، نموت موت العبيد لسيده ؟ ) [ بنحوه مسلم 1757/ 49 ] وقال الشيخ ، رحمه الله ، أيضا : في قوله ]{[3758]} : { إن الله اصطفى } من ذكر ، فهو ، والله أعلم ، ذكر الله أولياءه وأهل صفوته ثم أعداءه وأهل الشقاء ترغيبا في ما استوجبوا الصفوة وتحذيرا عما به صاروا أهل الشقاء ، إذ هما أمران يتولدان عن اختيار البشر ، [ ويقوم بأعبائها ]{[3759]} أهل المحن لا بنفس الخلقة والجوهر ، فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت . وعلى ذلك وجه ذكر عواقب الفريقين في الدنيا ، وما إليه يصير أمرهم في المعاد . وعلى هذا ما ضرب الله من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبا وترهيبا . وعلى هذا جميع أمور الدنيا أنها كلها عبر ومواعظ ، وإن كان فيها شهوات ولذات وآلام وأوجاع ليعلم أنها خلقت لا لها ، لكن لأمر عظيم ، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم أن بالعواقب يذم أهل الاختيار ، ويحمدون ، فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة ترغيبا فيها وعواقب السفهاء وأهل الإساءة ذميمة وخيمة ترهيبا فيها ، فخرج جميع فضل الله على الحكمة والإحسان ، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة ، لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء ، وفي ابتداء المحنة تكون مختلفة ، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان ، إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان ؛ أعني بالإحسان في ما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى ، والحكمة في ما لازما ذلك في التدبير ، ولا قوة إلا بالله .


[3756]:في الأصل وم: صافيا.
[3757]:في الأصل: وغيرهم اختيارهم، في م: وغيرهم اختارهم.
[3758]:من م، ساقطة من الأصل.
[3759]:في الأصل: ويقومان بأعبائهما، في م: ويقومان بأسبابهما.