التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ} (38)

ثم بين - سبحانه - أن اعتراض المشركين على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ليس إلا من قبيل التعنت والجحود ، لأن الرسل جميعا كانوا من البشر ، فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً . . . }

أى : " ولقد أرسلنا رسلا " كثيرين " من قبلك " يا محمد " وجعلنا لهم " أى لهؤلاء الرسل " أزواجا " يسكنون إليهن " وذرية " أى : وأولادا تقرُّ بهم أعينهم .

قال الشوكانى : " وفى هذا الرد على من كان ينكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجه بالنساء .

أى : هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه " .

وقوله - سبحانه - : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله . . . } رد على ما طلبوه منه صلى الله عليه وسلم من معجزات .

أى : وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى لمن أرسل إليهم بمعجزة كائنة ما كانت إلا بإذن الله وإرادته المبنية على الحكم والمصالح التي عليها يدور أمر الكائنات .

وقوله - سبحانه - { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } تهديد للمشركين الذين كانوا يتعجلون حصول المقترحات التي طلبوها منه صلى الله عليه وسلم .

أى : لكل وقت من الأوقات " كتاب " أى : حكم معين يكتب على الناس حسبما تقتضيه مشيئته - سبحانه - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ} (38)

19

وإذا كان هناك اعتراض على بشرية الرسول فقد كان الرسل كلهم بشرا :

( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ) . .

وإذا كان الاعتراض بأنه لم يأت بخارقة مادية ، فذلك ليس من شأنه إنما هو شأن الله :

( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) . .

وفق ما تقتضيه حكمته وعندما يشاء .

وإذا كان هناك خلاف جزئي بين ما أنزل على الرسول وما عليه أهل الكتاب ، فإن لكل فترة كتابا ، وهذا هو الكتاب الأخير :

( لكل أجل كتاب ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ} (38)

يقول تعالى : وكما أرسلناك ، يا محمد ، رسولا بشريا{[15690]} كذلك [ قد ]{[15691]} بعثنا المرسلين قبلك بَشَرًا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ، وقد قال [ الله ]{[15692]} تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } [ الكهف : 110 ] .

وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل الدسم{[15693]} وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " . {[15694]} وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن مكحول قال : قال أبو أيوب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من سنن المرسلين : التعطر ، والنكاح ، والسواك ، والحناء " {[15695]} .

وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، عن سفيان بن وَكِيع عن حفص بن غِياث ، عن الحجاج ، عن مكحول ، عن أبى الشمال{[15696]} عن أبي أيوب . . . فذكره ، ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال{[15697]}-{[15698]} .

وقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : لم يكن يأتي قومَه بخارق إلا إذا أُذِنَ له فيه ، ليس ذلك إليه ، بل إلى الله ، عز وجل ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .

{ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج : 70 ]{[15699]} .

وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي : لكل كتاب أجل يعني{[15700]} لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو{[15701]} ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه .


[15690]:- في أ : "بشرا".
[15691]:- زيادة من ت ، أ.
[15692]:- زيادة من ت ، أ.
[15693]:- في ت ، أ : "اللحم".
[15694]:- صحيح البخاري برقم (5063) وصحيح مسلم برقم (1401) وليس فيهما : "وآكل الدسم".
[15695]:- المسند (5/421).
[15696]:- في أ : "أبي السماك".
[15697]:- في أ : "أبو السماك".
[15698]:- سنن الترمذي برقم (1080).
[15699]:- في ت ، أ : "السموات" وهو خطأ.
[15700]:- في ت ، أ : "بمعنى".
[15701]:- في ت : "يمحى".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرّيّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ } .

يقول تعالى ذكره : وَلَقَدْ أرْسَلْنا يا محمد رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ إلى أمم قد خلَت من قبل أمتك فجعلناهم بشرا مثلك ، لهم أزواج ينكحون ، وذرّية أنسلوهم ، ولم نجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، فنجعل الرسول إلى قومك من الملائكة مثلهم ، ولكن أرسلنا إليهم بشرا مثلهم ، كما أرسلنا إلى مَن قبلهم من سائر الأمم بشرا مثلهم . وَما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأْتِيَ بآيَةٍ إلاّ بإذْنِ اللّهِ : يقول تعالى ذكره : وما يقدر رسول أرسله الله إلى خلقه أن يأتي أمته بآية وعلامة من تسيير الجبال ونقل بلدة من مكان إلى مكان آخر وإحياء الموتى ونحوها من الاَيات إلاّ بإذن الله ، يقول : إلاّ بأمر الله الجبال بالسير والأرض بالانتقال ، والميتَ بأن يحيا .

لكُلّ أجَلٍ كِتابٌ يقول : لكلّ أجَل أَمْرٍ قضاه الله كتاب قد كتبه ، فهو عنده . وقد قيل : معناه : لكل كتاب أنزله الله من السماء أجل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : لِكُلّ أجَلٍ كِتابٌ يقول : لكلّ كتاب ينزل من السماء أجل ، فيمحو الله من ذلك ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب .

قال أبو جعفر : وهذا على هذا القول نظير قول الله : وجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يقرأها : «وجاءت سكرة الحقّ بالموت » ، وذلك أن سكرة الموت تأتي بالحقّ والحقّ يأتي بها ، فكذلك الأجل به كتاب وللكتاب أجل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ} (38)

وقوله : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك } الآية . في صدر هذه الآية تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم ورد على المقترحين من قريش بالملائكة المتعجبين من بعثة الله بشراً رسولاً . فالمعنى : أن بعثك يا محمد ليس ببدع فقد تقدم هذا في الأمم . ثم جاء قوله : { وما كان لرسول } الآية ، لفظه لفظ النهي والزجر ، والمقصود به إنما هو النفي المحض ، لكنه نفي تأكد بهذه العبارة ، ومتى كانت هذه العبارة عن أمر واقع تحت قدرة المنهي فهي زجر ، ومتى لم يقع ذلك تحت قدرته فهو نفي محض مؤكد ، و { بإذن الله } معناه : إلا أن يأذن الله في ذلك .

وقوله : { لكل أجل كتاب } لفظ عام في جميع الأشياء التي لها آجال ، وذلك أنه ليس كائن منها إلا وله أجل في بدئه أو في خاتمته .

وكل أجل مكتوب محصور ، فأخبر تعالى عن كتبه الآجال التي للأشياء عامة ، وقال الضحاك والفراء : المعنى : لكل كتاب أجل{[6981]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا العكس غير لازم ولا وجه له ، إذ المعنى تام في ترتيب القرآن ، بل يمكن هدم قولهما بأن الأشياء التي كتبها الله تعالى أزلية باقية كتنعيم أهل الجنة وغيره يوجد كتابها لا أجل له .


[6981]:قال الفراء في "معاني القرآن": ومثله {وجاءت سكرة الموت بالحق}، وذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، "وجاءت سكرة الحق بالموت"، لأن الحق يأتي بها وتأتي به، فكذلك تقول: "لكل أجل مؤجل ولكل مؤجل أجل" والمعنى واحد، والله أعلم ا هـ. قال أبو حيان : ولا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر، وأما هنا فالمعنى في غاية الصحة بلا عكس ولا قلب، بل ادعاء القلب هنا لا يصح المعنى عليه إذ ثم أشياء كتبها الله أزلية ـ كنعيم أهل الجنة ـ و لا أجل لها. وهذا هو نفس الرأي الذي قدمه ابن عطية.