التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

وجميل المنطق ، حيث قال له : { سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } .

أى : لك منى - يا أبت - السلام الذى لا يخالطه جدال أو أذى ، والوداع الذى أقابل فيه إساءتك إلى بالإحسان إليك . وفضلاً عن ذلك فإنى { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } أى : بارًّا بى ، كثير الإحسان إلى .

يقال : فلان حفى بفلان حفاوة ، إذا بالغ فى إكرامه ، واهتم بشأنه .

وقد وفى إبارهيم بوعده ، حيث استمر على استغفاره لأبيه إلى أن تبين له أنه عدو لله - تعالى - فتبرأ منه كما قال - تعالى - : { وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

ولم يغضب إبراهيم الحليم . ولم يفقد بره وعطفه وأدبه مع أبيه :

قال : سلام عليك . سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا . وأعتز لكم وما تدعون من دون الله ، وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا .

سلام عليك . . فلا جدال ولا أذى ولا رد للتهديد والوعيد . سأدعو الله أن يغفر لك فلا يعاقبك بالاستمرار في الضلال وتولي الشيطان ، بل يرحمك فيرزقك الهدى . وقد عودني ربي أن يكرمني فيجيب دعائي .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

فعندها قال إبراهيم لأبيه : { سَلامٌ عَلَيْكَ } كما قال تعالى في صفة المؤمنين : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا } [ الفرقان : 63 ] وقال تعالى : { وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55 ] .

ومعنى قول إبراهيم لأبيه : { سَلامٌ عَلَيْكَ } يعني : أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى ، وذلك لحرمة الأبوة ، { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } أي : ولكن سأسال الله تعالى فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ، { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } قال ابن عباس وغيره : لطيفًا ، أي : في أن هداني لعبادته والإخلاص له . وقال مجاهد وقتادة ، وغيرهما : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } قال{[18864]} : [ و ]{[18865]} عَوّدَه الإجابة .

وقال السدي : " الحفي " : الذي يَهْتَم بأمره .

وقد استغفر إبراهيم لأبيه مدة طويلة ، وبعد أن هاجر إلى الشام وبنى المسجد الحرام ، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق ، عليهما السلام ، في قوله : { رَبَّنَا{[18866]} اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } [ إبراهيم : 41 ] .

وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام ، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنزل الله تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } الآية [ الممتحنة : 4 ] ، يعني إلا في هذا القول ، فلا{[18867]} تتأسوا به . ثم بين تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ، ورجع عنه ، فقال{[18868]} تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [ التوبة : 113 ، 114 ] .


[18864]:في أ: "قالوا".
[18865]:زيادة من ت.
[18866]:في ت، ف، أ: "رب".
[18867]:في ت: "ولا".
[18868]:في ت: "وقال".