التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

رابعاً : نعمة عفوه - سبحانه - عنهم بعد عبادتهم للعجل :

ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بنعمة رابعة وهي عفوه عنهم رغم جحودهم وكفرهم وعبادتهم لغيره ، فقال تعالى :

{ وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . . . }

المواعدة : مفاعلة من الجانبين ، وهي هنا على غير بابها ، لأن المراد بها هنا أمر الله - تعالى - لموسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيداً لإعطائه التوراة ، ويؤيد ذلك قراءة أبي عمرو وأبي جعفر ( وعدنا ) . وقيل : المفاعلة على بابها ، على معنى أن الله - تعالى - وعد نبيه موسى - عليه السلام - أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة ، فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال فكان الوعد حاصلا من الطرفين .

وملخص هذه القصة أن قوم موسى بعد أن نجاهم الله ، وأغرق عدوهم أمام أعينهم ، طلبوا من نبيهم موسى أن يأتيهم بكتاب من عند الله ليعملوا بأحكامه ، فوعده - سبحانه - أن يعطيه التوراة بعد أربعين ليلة ينقطع فيها لمناجاته ، وبعد انقضاء تلك الفترة وذهاب موسى لتلقي التوراة من ربه اتخذ بنو إسرائيل عجلا جسداً له خوار فعبدوه من دون الله ، وأعلم الله موسى بما كان من قومه بعد فراقه ، فرجع إليهم غاضباً حزيناً ، وأعلمهم بأن توبتهم لن تكون مقبولة إلا بقتل أنفسهم ، فلما فعلوا ذلك عفا الله عنهم لكي يشكروه ، ويلتزموا الصراط المستقيم .

ومعنى الآيتين الكريمتين : واذكروا يا بني إسرائيل وقت أن وعدنا موسى أن نؤتيه التوراة بعد انقضاء أربعين ليلة من هذا الوعد ، فلما حل الوعد وجاء موسى لميقاتنا عبدتم العجل في غيبته ، فلم نعاجلكم بالعقوبة ، بل قبلنا توبتكم ، وعفونا عنكم ، لتكونوا من الشاكرين لله تعالى .

وهذا التذكير يحمل في طياته التعجيب من حالهم ، لأنهم قابلوا نعم الله بأقبح أنواع الكفر والجهالة ، حيث عبدوا في غيبة نبيهم ما هو مثال في الغباوة والبلادة وهو العجل .

وفي اختيار حرف العطف ( ثم ) المفيد للتراخي الرتبى في جملة { اتخذتم العجل } إشعار بأنهم انحدروا إلى دركات سحيفة من الجحود والجهل ، وأن ما ارتكبوه هو من عظائم الأمور في القبح والمعصية وحذف المفعول الثاني لاتخذتم وهو " إلهاً أو معبوداً لشناعة ذكره ولعلهم بأنهم اتخذوه إلهاً " .

وقوله تعالى : { مِن بَعْدِهِ } معناه : من بعد مضيه لميقات ربه إلى الطور وغيابه عنهم . وفي ذلك زيادة تشنيع عليهم ، حيث وصفهم - سبحانه - بعدم الوفاء ، لأنهم كان من الواجب عليهم - لو كانوا يعقلون - أن يستمروا على توحيد الله في غيبة نبيهم لا سيما وقد رأوا من المعجزات والنعم ، ما يطمئن النفوس ، ويقوي الإِيمان ويغرس في القلوب الطاعة لله تعالى .

وجملة { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } حالية مقيدة لاتخذتم ، ليكون اتخاذهم العجل معبوداً ، مقروناً بالتعدي والظلم من بدئه إلى نهايته ، وللإِشعار بانقطاع عذرهم فيما فعلوا .

/خ52

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

40

ثم يمضي السياق قدما مع رحلة بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر ناجين :

( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ، ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون . ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون . وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون . وإذ قال موسى لقومه : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ، فتوبوا إلى بارئكم ، فاقتلوا أنفسكم ، ذلكم خير لكم عند بارئكم ، فتاب عليكم ، إنه هو التواب الرحيم ) . .

وقصة اتخاذ بني إسرائيل للعجل ، وعبادته في غيبة موسى - عليه السلام - عندما ذهب إلى ميعاد ربه على الجبل ، مفصلة في سورة طه السابقة النزول في مكة . وهنا فقط يذكرهم بها ، وهي معروفة لديهم . يذكرهم بانحدارهم إلى عبادة العجل بمجرد غيبة نبيهم ، الذي أنقذهم باسم الله ، من آل فرعون يسومونهم سوء العذاب . ويصف حقيقة موقفهم في هذه العبادة : ( وأنتم ظالمون ) . . ومن أظلم ممن يترك عبادة الله ووصية نبيه ليعبد عجلا جسدا ، وقد أنقذه الله ممن كانوا يقدسون العجول ! ومع هذا فقد عفا الله عنهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم ، لَمَّا عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه ، عند انقضاء أمَد المواعدة ، وكانت أربعين يومًا ، وهي المذكورة في الأعراف ، في قوله تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [ الأعراف : 142 ] قيل : إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر .