التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان ما أعده لعباده المؤمنين وببيان بعض الخصائص التى جعلها لكتابه الكريم . . . فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين آمَنُواْ . .

أى : إن الذين امنوا بالله - تعالى - حق الإيمان ، وعملوا الأعمال الصالحات { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن } فى دنياهم وفى آخرتهم { وُدّاً } أى : سيجعل لهم محبة ومودة فى القلوب ، لإيمانهم وعملهم الصالح ، يقال : ود فلان فلانا ، إذا أحبه وأخلص له المودة .

وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله - تعالى - إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إنى أحب فلاناً فأحبه . قال : فيحبه جبريل . ثم ينادى فى أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه . قال : فيحبه أهل السماء . ثم يوضع له القبول فى الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال : يا جبريل إنى أبغض فلاناً فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل ثم ينادى فى أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه .

قال : فيبغضه أهل السماء ، ثم توضع له البغضاء فى الأرض " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

وفي وسط هذه الوحدة والوحشة والرهبة ، إذا المؤمنون في ظلال ندية من الود السامي : ود الرحمن :

( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) . .

وللتعبير بالود في هذا الجو نداوة رخية تمس القلوب ، وروح رضى يلمس النفوس . وهو ود يشبع في الملأ الأعلى ، ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلى ء به الكون كله ويفيض . .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي [ ص ] قال : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل . ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه . قال : فيحبه أهل السماء . ثم يوضع له القبول في الأرض . وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل . ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضه أهل السماء ؛ ثم يوضع له البغضاء في الأرض " . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمََنُ وُدّاً * فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ الْمُتّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لّدّاً } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين آمنوا بالله ورسوله ، وصدّقوا بما جاءهم من عند ربهم ، فعملوا به ، فأحلوا حلاله ، وحرّموا حرامه سيجعلُ لهمُ الرحمنُ ودا في الدنيا ، في صدور عباده المؤمنين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : محبة الناس في الدنيا .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : حبا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : الودّ من المسلمين في الدنيا ، والرزق الحسن . واللسان الصادق .

حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن عبيد المُكْتِبِ ، عن مجاهد ، في قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : محبة في المسلمين في الدنيا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : يحبهم ويحببهم إلى خلقه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عليّ بن هاشم ، عن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يحبهم ويحببهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، عن قتادة ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : ما أقبل عبد الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه ، وزاده من عنده .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا : إي والله في قلوب أهل الإيمان . ذُكر لنا أن هَرِم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عثمان بن عفان كان يقول : ما من الناس عبد يعمل خيرا ولا يعمل شرّا ، إلا كساه الله رداء عمله .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوريّ ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : محبة .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت في عبد الرحمن بن عوف .

حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطيّ ، قال : أخبرنا يعقوب بن محمد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جُبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن أمه أمّ إبراهيم ابنة أبي عبيدة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيها ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه لما هاجر إلى المدينة ، وجَد في نفسه على فراق أصحابه بمكة ، منهم شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأميّة بن خلف ، فأنزل الله تعالى : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

يقتضي اتصال الآيات بعضها ببعض في المعاني أنّ هذه الآية وصف لحال المؤمنين يوم القيامة بضد حال المشركين ، فيكون حال إتيانهم غير حال انفرادٍ بل حال تأنس بعضهم ببعض .

ولمّا ختمت الآية قبلها بأن المشركين آتون يوم القيامة مفردين ، وكان ذلك مشعراً بأنهم آتون إلى ما من شأنه أن يتمنى المورّط فيه مَن يدفع عنه وينصره ، وإشعار ذلك بأنّهم مغضوب عليهم ، أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين الصالحين ، وأنهم على العكس من حال المشركين ، وأنهم يكونون يومئذ بمقام المودّة والتبجيل . فالمعنى : سيجعل لهم الرحمان أودّاء من الملائكة كما قال تعالى : { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ فصلت : 31 ] ، ويجعل بين أنفسهم مودّة كما قال تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غِلّ } [ الأعراف : 43 ] .

وإيثارُ المصدر ليفي بعدّة متعلقات بالودّ . وفُسّر أيضاً جعل الودّ بأن الله يجعل لهم محبّة في قلوب أهل الخير . رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد عن الدراوردي . وليست هذه الزيادة عن أحد ممن روى الحديث عن غير قتيبة بن سعيد ولا عن قتيبة بن سعيد في غير رواية الترمذي ، فهذه الزيادة إدراج من قتيبة عند الترمذي خاصة .

وفُسر أيضاً بأن الله سيجعل لهم محبة منه تعالى ، فالجعل هنا كالإلقاء في قوله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39 ] . هذا أظهر الوجوه في تفسير الودّ ، وقد ذهب فيه جماعات المفسرين إلى أقوال شتى متفاوتة في القبول .