التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة ظن هؤلاء الكافرين الجاهلين فقال : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } .

و { ذلكم } اسم إشارة يعود إلى ظنهم السابق ، وقوله { أَرْدَاكُمْ } خبره .

أى : وذلكم الظن الذى ظننتموه بربكم ، وهو أنه - سبحانه - لا يعلم كثيرا مما تعملونه سرا ، هذا الظن { أَرْدَاكُمْ } أى : أهلككم ، يقال ردى فلان - كصدى - إذا هلك { فَأَصْبَحْتُمْ } أيها الكافرون من الخاسرين لكل شئ فى دنياكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

وخدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم وقادكم إلى الجحيم :

( وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنّكُمُ الّذِي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الُخَاسِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وهذا الذي كان منكم في الدنيا من ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون من قبائح أعمالكم ومساويها ، هو ظنكم الذي ظننتم بربكم في الدنيا أرداكم ، يعني أهلككم . يقال منه : أردى فلانا كذا وكذا : إذا أهلكه ، ورَدِيَ هو : إذا هلك ، فهو يردى ردًى ومنه قول الأعشى :

أفِي الطّوْفِ خِفْتِ عَليّ الرّدَى *** وكَمْ مِنْ رَدٍ أهْلَهُ لَمْ يَرِمْ

يعني : وكم من هالك أهله لم يرم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : أرْدَاكُمْ قال : أهلككم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : تلا الحسن : وَذَلِكُمْ ظَنّكُمُ الّذِي ظَنَنْتُم بِرَبّكُمْ أرْدَاكُمْ فقال : إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن بالله الظن ، فأحسن العمل وأما الكافر والمنافق ، فأساءا الظنّ فأساءا العمل ، قال ربكم : وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبْصَارُكُمْ . . . حتى بلغ : الخاسرين . قال معمر : وحدثني رجل : أنه يؤمر برجل إلى النار ، فيلتفت فيقول : يا ربّ ما كان هذا ظني بك ، قال : وما كان ظنك بي ؟ قال : كان ظني أن تغفر لي ولا تعذّبني ، قال : فإني عند ظنك بي .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الظنّ ظنان ، فظنّ منج ، وظنّ مُرْدٍ قالَ : الّذِينَ يَظُنّونَ أنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهمْ قالَ إنّي ظَنَنْتُ أنّى مُلاقٍ حِسابِيَهْ ، وهذا الظنّ المنجى ظنا يقينا ، وقال ها هنا : وَذَلِكُمْ ظَنّكُمُ الّذِي ظَنَنْتُم بِرَبّكُمْ أرْدَاكُمْ هذا ظنّ مُرْدٍ .

وقوله : وَقالَ الكافِرُونَ إنْ نَظُنّ إلاّ ظَنّا وَما نَحْنُ بمُسْتَيْقِنِينَ وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ويروي ذلك عن ربه : «عَبْدِي عِنْدَ ظَنّهِ بِي ، وأنا مَعَهُ إذَا دَعانِي » . وموضع قوله : ذَلِكُمْ رفع بقوله ظنكم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان قوله : أرْدَاكُمْ في موضع نصب بمعنى : مرديا لكم . وقد يُحتمل أن يكون في موضع رفع بالاستئناف ، بمعنى : مردٍ لكم ، كما قال : تِلكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً في قراءة من قرأه بالرفع . فمعنى الكلام : هذا الظنّ الذي ظننتم بربكم من أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم ، لأنكم من أجل هذا الظنّ اجترأتم على محارم الله فقدمتم عليها ، وركبتم ما نهاكم الله عنه ، فأهلككم ذلك وأرداكم فأَصْبَحْتُمْ مِنْ الخاسِرِينَ يقول : فأصبحتم اليوم من الهالكين ، قد غبتم ببيعكم منازلكم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

{ وذلكم ظَنُّكُمُ } الإِشارة إلى الظن المأخوذ من فعل { ظَنَنتُم أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ } ، ويستفاد من الإِشارة إليه تمييزه أكمل تمييز وتشهير شناعته للنداء على ضلالهم . وأتبع اسم الإِشارة بالبدل بقوله : { ظَنُّكُم } لزيادة بيانه ليتمكن ما يعقبه من الخبر ، والخبر هو فعل { أَردَاكُم } وما تفرع عليه .

و { الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم } صفة ل { ظَنُّكُمُ } . والإِتيان بالموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو { أَرْدَاكُم } وما تفرع عليه ، أي الذي ظننتم بربكم ظناً باطلاً . والعدول عن اسم الله العَلَم إلى { بِرَبِّكُم } للتنبيه على ضلاللِ ظنهم ، إذ ظنوا خفاء بعض أعمالهم عن علمه مع أنه ربهم وخالقهم فكيف يخلقهم وتخفى عنه أعمالهم ، وهو يشير إلى قوله : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } [ الملك : 14 ] ، ففي وصف { بِرَبِّكُم } إيماء إلى هذا المعنى .

والإِرداء : الإِهلاك ، يقال : رَدِيَ كرضِي ، إذا هلَك ، أي مات ، والإِرداء مستعار للإِيقاع في سوء الحالة بحيث أصارهم مثل الأموات فإن ذلك أقصى ما هو متعارف بين الناس في سوء الحالة وفي الإِتيان بالمسند فعلاً إفادة قصرٍ ، أي ما أرداكم إلا ظنكم ذلك ، وهو قصر إضافي ، أي لم تُردِكم شهادة جوارحكم حتى تلوموها بل أرداكم ظنكم أن الله لا يعلم أعمالكم فلم تحذروا عقابه .

وقوله : { فَأَصبحتم مِنَ الخاسرين } تمثيل لحالهم إذ يحسبون أنهم وصلوا إلى معرفة ما يحق أن يعرفوه من شؤون الله ووثقوا من تحصيل سعادتهم ، وهم ما عرفوا الله حق معرفته فعاملوا الله بما لا يرضاه فاستحقوا العذاب من حيث ظنوا النجاة ، فشبه حالهم بحال التاجر الذي استعدّ للربح فوقع في الخسارة .

والمعنى : أنه نُعي عليهم سوء استدلالهم وفساد قياسهم في الأمور الإِلهية ، وقياسُهم الغائبَ على الشاهد ، تلك الأصولُ التي استدرجتهم في الضلالة فأحالوا رسالة البشر عن الله ونفوا البعث ، ثم أثبتوا شركاء لله في الإِلهية ، وتفرع لهم من ذلك كله قطع نظرهم عما وراء الحياة الدنيا وأمنهم من التبعات في الحياة الدنيا ، فذلك جماع قوله تعالى : { وذلكم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بربِّكم أرداكم فأصْبَحْتُم مِنَ الخاسرين } .

واعلم أن أسباب الضلال في العقائد كلها إنما تأتي على الناس من فساد التأمل وسرعة الإِيقان وعدم التمييز بين الدلائل الصائبة والدلائل المشابهة وكل ذلك يفضي إلى الوهَم المعبر عنه بالظن السيِّىء ، أو الباطل . وقد ذكر الله مثله في المنافقين وأن ظنهم هو ظن أهل الجاهلية فقال : { يظنون باللَّه غير الحق ظن الجاهلية } [ آل عمران : 154 ] ، فليحذر المؤمنون من الوقوع في مثل هذه الأوهام فيبُوءُوا ببعض ما نُعي على عبدة الأصنام .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث » يريد الظن الذين لا دليل عليه . و ( أصبحتم ) بمعنى : صرتم ، لأن أصبح يكثر أن تأتي بمعنى : صار .