التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

وقوله : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قسم ثالث ببعض مخلوقاته - تعالى - . والشاهد اسم فاعل من المشاهدة بمعنى الرؤية ، فالشاهد هو الرائى ، أو المشهود عليه بأنه حق

فالمراد بالشاهد : من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين ، وما يراه فيه من عجائب وأهوال ، من المشاهدة بمعنى الرؤية والحضور ، أو من يشهد فى ذلك اليوم على غيره ، من الشهادة على الخصم .

وقد ذكر المفسرون فى معنى هذين اللفظين ، ما يقرب من عشرين وجها .

قال صاحب الكشاف وقوله : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } يعنى : وشاهد فى ذلك اليوم ومشهود فيه . والمراد بالشاهد : من يشهد فيه من الخلائق كلهم . وبالمشهود : ما فى ذلك اليوم من عجائبه . ثم قال : وقد اضطربت أقوال المفسرين فيما ، فقيل : الشاهد والمشهود : محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة . وقيل : عيسى وأمته . وقيل : أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأمم . وقيل : يوم التروية ويوم عرفة . وقيل : يوم عرفة ويوم الجمعة . وقيل : الحجر الأسود ، والحجيج . وقيل : الأيام والليالى . وقيل : الحفظة وبنو آدم . .

ويبدو لنا أن أقرب الأقوال والصواب : أن المراد بالشاهد هنا : الحاضر فى ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة ، والرائى لأهواله وعجائبه .

وأن المراد بالمشهود : ما يشاهد فى ذلك اليوم من أحوال يشيب لها الولدان .

وقال - سبحانه - { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } بالتنكير ، لتهويل أمرهما ، وتفخيم شأنهما

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

( وشاهد ومشهود ) . . في ذلك اليوم الذي تعرض فيه الأعمال ، وتعرض فيه الخلائق ، فتصبح كلها مشهودة ، ويصبح الجميع شاهدين . . ويعلم كل شيء . ويظهر مكشوفا لا يستره ساتر عن القلوب والعيون . .

وتلتقي السماء ذات البروج ، واليوم الموعود ، وشاهد ومشهود . . تلتقي جميعا في إلقاء ظلال الاهتمام والاحتفال والاحتشاد والضخامة على الجو الذي يعرض فيه بعد ذلك حادث الأخدود . . كما توحي بالمجال الواسع الشامل الذي يوضع فيه هذا الحادث . وتوزن فيه حقيقته ويصفى فيه حسابه . . وهو أكبر من مجال الأرض ، وأبعد من مدى الحياة الدنيا وأجلها المحدود . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

وقوله : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأقسم بشاهد ، قالوا : وهو يوم الجمعة ، ومشهود ، قالوا : وهو يوم عرفة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : أخبرنا ابن علية ، قال : أخبرنا يونس ، قال : أنبأني عمار ، قال : قال أبو هريرة : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة قال يونس ، وكذلك قال الحسن .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت حارثة بن مضرب ، يحدّث عن عليّ رضي الله عنه ، أنه قال في هذه الاَية : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : يوم الجمعة ، ويوم عرفة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة ويقال : الشاهد : الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ : يومان عظيمان من أيام الدنيا ، كنا نحدّث أن الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ رضي الله عنه : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَشاهِدٍ يوم الجمعة ، ومَشْهُودٍ : يوم عرفة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَشاهِدٍ : يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَمَشْهُودٍ : يَوْمُ عَرَفَةَ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن نمير وإسحاق الرازي ، عن موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفَةَ ، والشّاهِدُ : يَوْمُ الجُمُعَةِ » .

حدثنا سهل بن موسى ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، عن ابن حرملة ، عن سعيد : أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ سَيّدَ الأيّامِ يَوْمُ الجُمُعَة ، وَهُوَ الشّاهِدُ ، وَالمَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفةَ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن موسى بن عبيد ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «المَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفَةَ ، والشّاهِدُ : يَوْمُ الجُمُعَةِ ، فِيهِ ساعَةٌ لا يُوَافِقُها مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللّهَ بِخَيْرٍ إلاّ اسْتَجابَ لَهُ ، وَلا يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرَ إلاّ أعاذَهُ » .

حدثني محمد بن عوف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : ثني أبي ، قال : ثني ضمضم بن زُرْعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الشّاهِدَ يَوْمُ الجُمُعَةِ ، وَإنّ المَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، فَيَوْمُ الجُمُعَةِ خِيرَةُ الله لَنا » .

حدثني سعيد بن الربيع الرازي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : سيد الأيام يوم الجمعة ، وهو شاهد .

وقال آخرون : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف المكيّ ، عن ابن عباس قال : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم القيامة ، ثم قرأ ذَلكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذَلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن شباك ، قال : سأل رجل الحسن بن عليّ ، عن وشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : سألت أحدا قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير ، فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة قال : لا ، ولكن الشاهد : محمد ، ثم قرأ : فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدا والمشهود : يوم القيامة ، ثم قرأ : ذَلك يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي الضحى ، عن الحسن بن عليّ ، قال : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم القيامة .

حدثني سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن حَرْملة ، عن سعيد بن المسيب : وَمَشْهُودٍ : يوم القيامة .

وقال آخرون : الشاهد : الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا أسباط ، عن عبد الملك ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الشاهد : ابن آدم ، والمشهود يوم القيامة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الإنسان ، وقوله وَمَشْهُودٍ قال : يوم القيامة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : الشاهد : الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن خالد الحذّاء ، عن عكرِمة ، في قوله : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : شاهد : ابن آدم ، ومشهود : يوم القيامة .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَشاهِدٍ يعني الإنسان وَمَشْهُودٍ يوم القيامة ، قال الله : وَذَلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ .

وقال آخرون : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم الجمعة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم الجمعة ، فذلك قوله : فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدا .

وقال آخرون : الشاهد الله ، والمشهود : يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله وَشاهِدٍ يقول الله وَمَشْهُودٍ يقول : يوم القيامة .

وقال آخرون : الشاهد : يوم الأضحى ، والمشهود : يوم الجمعة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن شباك ، قال : سأل رجل الحسن بن عليّ ، عن شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : سألتَ أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت ابن عمر وابن الزبير ، فقالا : يوم الذبح ، ويوم الجمعة .

وقال آخرون : الشاهد : يوم الأضحى ، والمشهود ، يوم عَرَفة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قال : الشاهد : يوم عرفة ، والمشهود : يوم القيامة .

وقال آخرون : المشهود : يوم الجمعة ، ورَوَوْا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن ، عن عبادة بن نسيّ ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أكْثِرُوا عَليّ الصّلاةَ يَوْمُ الجُمُعَةِ ، فإنّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ المَلائِكَةُ » .

والصواب من القول في ذلك عندنا : أن يقال : إن الله أقسم بشاهد شهد ، ومشهود شهد ، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أيّ شاهد وأيّ مشهود أراد ، وكلّ الذي ذكرنا أن العلماء قالوا : هو المعنيّ مما يستحقّ أن يُقال له شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ} (3)

1

و{ شاهد ومشهود } مراد بهما النوع . فالشاهد : الرائي ، أو المخبر بحق لإِلزام منكره . والمشهود : المَرئي أو المشهود عليه بحق . وحذف متعلق الوصفين لدلالة الكلام عليه فيجوز أن يكون الشاهد حاضرَ ذلك اليوم الموعود من الملائكة قال تعالى : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } [ ق : 21 ] .

ويجوز أن يكون الشاهد الله تعالى ويؤيده قوله : { واللَّه على كل شيء شهيد } أو الرسل والملائكة .

والمشهود : الناس المحشورون للحساب وهم أصحاب الأعمال المعرَّضون للحساب لأن العرف في المجامع أن الشاهد فيها : هو السالم من مشقتها وهم النظارة الذين يطَّلعون على ما يجري في المجمع ، وأن المشهود : هو الذي يطَّلعُ الناسُ على ما يجري عليه .

ويجوز أن يكون الشاهد : الشاهدين من الملائكة ، وهم الحفظة الشاهدون على الأعمال . والمشهود : أصحاب الأعمال . وأن يكون الشاهد الرسل المبلغين للأمم حين يقول الكفار : ما جاءنا من بشير ولا نذير ومحمد صلى الله عليه وسلم يشهد على جميعهم وهو ما في قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء : 41 ] .

وعلى مختلف الوجوه فالمناسبة ظاهرة بين { شاهد ومشهود } وبين ما في المقسم عليه من قوله : { وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } ، وقوله : { إذ هم عليها قعود } أي حضور .

وروى الترمذي من طريق موسى بن عبيدة إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة " . أي فالتقدير : ويومٍ شاهد ويومٍ مشهود . قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قِبَل حفظه اه .

ووصف « يوم » بأنه « شاهد » مجاز عقلي ، ومحمل هذا الحديث على أن هذا مما يراد في الآية من وصف { شاهد } ووصف { مشهود } فهو من حَمْل الآية على ما يحتمله اللفظ في حقيقة ومجاز كما تقدم في المقدمة التاسعة .