ثم صرحت لهم بما ستفعله معه فقالت : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون } . وقوله : { فَنَاظِرَةٌ } معطوف على { مُرْسِلَةٌ } وهو من الانتظار بمعنى الترقب .
أى : وإنى قد قررت أن أرسل إلى سليمان وجنوده هدية ثمينة تليق بالملوك أصحاب الجاه والقوة والسلطان ، وإنى لمنتظرة ماذا سيقول سليمان لرسلى عندما يرى تلك الهدية . وماذا سيفعل معهم .
قال ابن عباس : قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبى فاتبعوه .
وقال قتادة : رحمها الله ورضى عنها ما كان أعقلها فى إسلامها وفى شركها ! ! لقد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس .
وهنا تظهر شخصية " المرأة " من وراء شخصية الملكة . المرأة التي تكره الحروب والتدمير ، والتي تنضي سلاح الحيلة والملاينة قبل أن تنضي سلاح القوة والمخاشنة :
قالت : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون . وإني مرسله إليهم بهدية فناظره بم يرجع المرسلون !
فهي تعرف أن من طبيعة الملوك أنهم إذا دخلوا قرية [ والقرية تطلق على المدينة الكبيرة ] أشاعوا فيها الفساد ، وأباحوا ذمارها ، وانتهكوا حرماتها ، وحطموا القوة المدافعة عنها ، وعلى رأسها رؤساؤها ؛ وجعلوهم أذلة لأنهم عنصر المقاومة . وأن هذا هو دأبهم الذي يفعلونه .
والهدية تلين القلب ، وتعلن الود ، وقد تفلح في دفع القتال . وهي تجربة . فإن قبلها سليمان فهو إذن أمر الدنيا ، ووسائل الدنيا إذن تجدي . وإن لم يقبلها فهو إذن أمر العقيدة ، الذي لا يصرفه عنه مال ، ولا عرض من أعراض هذه الأرض .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِي اللّهُ خَيْرٌ مّمّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنّهُم بِجُنُودٍ لاّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنّهُم مّنْهَآ أَذِلّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } .
ذكر أنها قالت : إني مرسلة إلي سليمان ، لتختبره بذلك وتعرفه به ، أملك هو ، أم نبيّ ؟ وقالت : إن يكن نبيا لم يقبل الهدية ، ولم يرضه منا ، إلا أن نتبعه على دينه ، وإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف . ذكر الرواية عمن قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قالت : وإنّي مُرْسلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ قال : وبعثت إليه بوصائف ووصفَاء ، وألبستْهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى ، فقالت : إن زيّل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم ردّ الهدية فإنه نبيّ ، وبنبغي لنا أن نترك ملكنا ، ونتّبع دينه ، ونلحق به .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : وإنّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ قال : بجوارٍ لباسهم لباس الغلمان ، وغلمان لباسهم لباس الجواري .
حدثنا القامس ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قولها : وَإنّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ قال : مئتي غلام ومئتي جارية . قال ابن جُرَيج ، قال مجاهد : قوله بِهَدِيّةٍ قال : جوار ألبستهنّ لباس الغلمان ، وغلمان ألبستهم لباس الجواري .
قال ابن جُرَيج : قال ( مجاهد ) : قالت : فإن خلّص الجواري من الغلمان ، وردّ الهدية فإنه نبيّ ، وينبغي لنا أن نتّبعه .
قال ابن جُرَيج ، قال مجاهد : فخلّص سليمان بعضهم من بعض ، ولم يقبل هديتها .
قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا سفيان ، عن معمر ، عن ثابت اليُثانيّ ، قال : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجنّ فموّهوا له الاَجرّ بالذهب ، ثم أمر به فألقي في الطرق فلما جاءوا فرأوه ملقى ما يُلتفت إليه ، صغر في أعينهم ما جاءوا به .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ المُلُوكَ إذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها . . . الاَية ، وقالت : إن هذا الرجل إن كان إنما همته الدنيا فسنرضيه ، وإن كان إنما يريد الدين فلن يقبلَ غيره وإنّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، قال : كانت بلقيس امرأة لبيبة أديبة في بيت ملك ، لم تملك إلا لبقايا من مضى من أهلها ، إنه قد سيست وساست حتى أحكمها ذلك ، وكان دينها ودين قومها فيما ذُكر الزنديقية فلما قرأت الكتاب سمعت كتابا ليس من كتب الملوك التي كانت قبلها ، فبعثت إلى المَقَاولة من أهل اليمن ، فقالت لهم : يا أيّها المَلاُ إنّي أُلْقِيَ إليّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إنّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ ، ألاّ تَعْلُوا عَليّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ إلى قوله بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ثم قالت : إنه قد جاءني كتاب لم يأتني مثله من ملك من الملوك قبله ، فإن يكن الرجل نبيا مرسلاً فلا طاقة لنا به ولا قوّة ، وإن يكن الرجل ملكا يكاثر ، فليس بأعزّ منا ، ولا أعدّ . فهيّأت هدايا مما يُهدَى للملوك ، مما يُفتنون به ، فقالت : إن يكن ملكا فسيقبل الهدية ويرغب في المال ، وإن يكن نبيا فليس له في الدنيا حاجة ، وليس إياها يريد ، إنما يريد أن ندخل معه في دينه ونتبعه على أمره ، أو كما قالت .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وإنّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ بعثت بوصائف ووصفاء ، لباسهم لباس واحد ، فقالت : إن زيّل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم ردّ الهدية فهو نبيّ ، وينبغي لنا أن نتّبعه ، وندخل في دينه فزيّل سليمان بين الغلمان والجواري ، وردّ الهدية ، فقال : أتُمِدّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتانِيَ اللّهُ خَيْرٌ مِمّا آتاكمْ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان في الهدايا التي بعثت بها وصائف ووصفاء يختلفون في ثيابهم ، لتمييز الغلمان من الجواري ، قال : فدعا بماء ، فجعل الجواري يتوضأن من المرفق إلى أسفل ، وجعل الغلمان يتوضئون من المرفق إلى فوق . قال : وكان أبي يحدثنا هذا الحديث .
حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح وَإنّي مُرْسِلةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ قال : أرسلت بلبنة من ذهب ، وقالت : إن كان يريد الدنيا علمته ، وإن كان يريد الاَخرة علمته .
وقوله : فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ تقول : فأنظر بأيّ شيء من خبره وفعله في هديتي التي أرسلها إليه ترجع رسلي ، أبقبول وانصراف عنا ، أم بردّ الهدية والثبات على مطالبتنا باتباعه على دينه ؟ وأسقطت الألف من «ما » في قوله بِمَ وأصله : بما ، لأن العرب إذا كانت «ما » بمعنى : أي ، ثم وصلوها بحرف خافض أسقطوا ألفها تفريقا بين الاستفهام وغيره ، كما قال جلّ ثناؤه عَمّ يَتَساءَلونَ و قَالُوا : فِيمَ كُنْتُمْ ، وربما أثبتوا فيها الألف ، كما قال الشاعر :
عَلامَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ *** كَخِنْزِيرٍ تَمَرّغَ فِي تُرَابِ
وقالت وإنّى مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ وإنما أرسلت إلى سليمان وحده على النحو الذي بيّنا في قوله : عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ .
{ وإني مرسلة إليهم بهدية } بيان لما ترى تقديمه في المصالحة ، والمعنى إني مرسلة رسلا بهدية ادفعه بها عن ملكي . { فناظرة بم يرجع المرسلون } من حاله حتى أعمل بحسب ذلك . روي إنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وأرسلت معهم غلمانا على زي الجواري وجواري على زي الغلمان ، وحقا في درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت : إن كان نبيا ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقبا مستويا وسلك في الخرزة خيطا ، فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم ، فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه ، فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة ، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية .
روي أن بلقيس قالت لقومها إني أجرب هذا الرجل { بهدية } أعطيه فيها نفائس الأموال وأغرب عليه بأمور المملكة ، فإن كان ملكاً دنياوياً أرضاه المال فعملنا معه بحسب ذلك ، وإن كان نبياً لم يرضه المال ولازمنا في أمر الدين فينبغي أن نؤمن به ونتبعه على دينه ، فبعثت إليه { بهدية } عظيمة أكثر بعض الناس في تفصيلها فرأيت اختصار ذلك لعدم صحته ، واختبرت علمه فيما روي بأن بعثت إليه قدحاً فقالت : املأه لي ماء ليس من الأرض ولا من السماء ، وبعثت إليه درة فيها ثقب محلزق وقالت يدخل سلكها دون أن يقربها إنس ولا جان ، وبعثت أخرى غير مثقوبة وقالت يثقب هذه غير الإنس والجن ، فملأ سليمان القدح من عرق الخيل ، وأدخلت السلك دودة . وثقبت الدرة أرضة ماء ، وراجع سليمان مع رد الهدية بما في الآية وعبر عن «المرسلين »ب { جاء } وبقوله { ارجع } لما أراد به الرسول الذي يقع على الجمع والإفراد والتأنيث والتذكير ، وقرأ ابن مسعود » فلما جاؤوا سليمان وقرأ «ارجعوا » ، ووعيد سليمان لهم مقترن بدوامهم على كفرهم ، وذكر مجاهد أنها بعثت في هديتها بعدد كثير من العبيد بين غلام وجارية وجعلت زيهم واحداً وجربته في التفريق بينهم .
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بتجربة في مثل هذا الأمر الخطير .
والباء في { بهدية } باء المصاحبة . ومفعول { مرسلة } محذوف دل عليه وصف { مرسلة } وكون التشاور فيما تضمنه كتاب سليمان . فالتقدير : مرسلة إليهم كتاباً ووَفداً مصحوباً بهدية إذ لا بد أن يكون الوفد مصحوباً بكتاب تجيب به كتاب سليمان فإن الجواب عن الكتاب عادة قديمة ، وهو من سنن المسلمين ، وعدّ من حق المسلم على المسلم ، قال القرطبي : إذا ورد على إنسان في كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يَرد الجواب لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر . وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كرد السلام اه . ولم أقف على حكم فيه من مذاهب الفقهاء . والظاهر أن الجواب إن كان عن كتاب مشتمل على صيغة السلام أن يكون رد الجواب واجباً وأن يشتمل على رد السلام لأن الرد بالكتابة يقاس على الرد بالكلام مع إلغاء فارق ما في المكالمة من المواجهة التي يكون ترك الرد معها أقرب لإلقاء العداوة .
ولم أر في كتب النبي صلى الله عليه وسلم جواباً عن كتاب إلا جوابه عن كتاب مسيلمة والسلام على من اتّبع الهدى .
والهدية : فعيلة من أهدى : فالهدية ما يعطَى لقصد التقرب والتحبب ، والجمع هَدايا على اللغة الفصحى ، وهي لغة سُفلَى مَعَدَ . وأصل هدايا : هدائيَ بهمزة بعد ألف الجمع ثم ياءٍ لأن فعيلة يجمع على فعائل بإبدال ياء فعيلة همزة لأنها حرف وقع في الجمع بعد حرف مدّ فلما وجدوا الضمة في حالة الرفع ثقيلة على الياء سكّنوا الياء طرداً للباب ثم قلبوا اليَاء الساكنة ألفاً للخفة فوقعت الهمزة بين ألفين فثقلت فقلبوها ياء لأنها مفتوحة وهي أخف ، وأما لغة سُفلى معدّ فيقولون : هَدَاوَى بقلب الهمزة التي بين الألفين واواً لأنها أخت الياء وكلتاهما أخت الهمزة .
و { ناظرة } اسم فاعل من نَظر بمعنى انتظَر ، أي مترقبةٌ ، فتكون جملة : { بم يرجع المرسلون } مبيّنة لجملة { فناظرة } ، أو مستأنفة . وأصل النظم : فناظرة ما يرجع المرسلون به ، فغير النظم لمَّا أريد أنها مترددة فيما يرجع به المرسلون . فالباء في قوله : { بم يرجع المرسلون } متعلقة بفعل { يرجع } قدمت على متعلَّقها لاقترانها بحرف ( ما ) الاستفهامية لأن الاستفهام له صدر الكلام .
ويجوز أن يكون { ناظرة } من النظر العقلي ، أي عالمة ، وتعلقَ الباء بفعل { يرجع } ، وعلى كلا الوجهين ف { ناظرة } معلَّق عن العمل في مفعوله أو مفعوليه لوجود الاستفهام ، ولا يجوز تعلق الباء ب { ناظرة } لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده فمن ثم غلطوا الحوفي في « تفسيره » لتعليقه الباء ب { ناظرة } كما في الجهة السادسة من الباب الخامس من « مغني اللبيب » .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قالت المرأة لأهل مشورتها: {وإني مرسلة إليهم بهدية} أصانعهم على ملكي إن كانوا أهل دنيا، {فناظرة بم يرجع المرسلون}، من عنده بالجواب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ذكر أنها قالت: إني مرسلة إلى سليمان، لتختبره بذلك وتعرفه به، أملك هو، أم نبيّ؟ وقالت: إن يكن نبيا لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا، إلا أن نتبعه على دينه، وإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف...
وقوله:"فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ" تقول: فأنظر بأيّ شيء من خبره وفعله في هديتي التي أرسلها إليه ترجع رسلي، أبقبول وانصراف عنا، أم بردّ الهدية والثبات على مطالبتنا باتباعه على دينه؟...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ذكر أنها قالت: إن لي في هذا رأيا: فإن يك صاحب دنيا فعسى أن نرضيه بالمال، فيسكت عنا، ويكف شره، وإن يكن نبيا فلا يقبل ذلك منا، وسنعرف. فعملت ذلك، وأرسلت إليه بهدايا، فلم يقبلها سليمان، فعرفت أنه نبي. وهذا كان منها تدبيرا وحسن رأي في الأمر واحتيالا، وقفت في ذلك، لم تشتغل بالحرب والقتال على ما أشار لها قومها.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
والهدية هي: العطية على طريق الملاطفة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} أي مرسلة رسلاً بهدية أصانعه بها عن ملكي {فَنَاظِرَةٌ} ما يكون منه حتى أعمل على حسب ذلك.
{فناظرة بم يرجع المرسلون} فيه دلالة على أنها لم تثق بالقبول وجوزت الرد، وأرادت بذلك أن ينكشف لها غرض سليمان.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: سأبعث إليه بهدية تليق به وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك، فلعله يقبل ذلك ويكف عنا، أو يضرب علينا خَرَاجا نحمله إليه في كل عام، ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا. قال قتادة: رحمها الله ورضي عنها، ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها!! علمت أن الهدية تقع موقعًا من الناس.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما بينت ما في المصادمة من الخطر، أتبعته ما عزمت عليه من المسالمة، فقالت: {وإني مرسلة} وأشار سبحانه إلى عظيم ما ترسل به بالجمع في قولها: {إليهم} أي إليه وإلى جنوده {بهدية} أي تقع منهم موقعاً. قال البغوي: وهي العطية على طريق الملاطفة. {فناظرة} عقب ذلك وبسببه {بم} أي بأي شيء {يرجع المرسلون} بتلك الهدية عنه من المقال أو الحال، فنعمل بعد ذلك على حسب ما نراه من أمره، فنكون قد سلمنا من خطر الإقدام على ما لم نعرف عاقبته، ولم يضرنا ما فعلنا شيئاً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]
وهنا تظهر شخصية "المرأة "من وراء شخصية الملكة. المرأة التي تكره الحروب والتدمير، والتي تنضي سلاح الحيلة والملاينة قبل أن تنضي سلاح القوة والمخاشنة: وإني مرسله إليهم بهدية فناظره بم يرجع المرسلون!..والهدية تلين القلب، وتعلن الود، وقد تفلح في دفع القتال. وهي تجربة. فإن قبلها سليمان فهو إذن أمر الدنيا، ووسائل الدنيا إذن تجدي. وإن لم يقبلها فهو إذن أمر العقيدة، الذي لا يصرفه عنه مال، ولا عرض من أعراض هذه الأرض.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
حتى أحدد موقفي تبعاً لذلك بالسلم أو بالحرب، لأعرف من خلال ذلك طبيعته، فهل هو من الأشخاص الذين يمكن استمالتهم بالمصانعة وبتقديم الهدايا الغالية الثمينة، أو هو من الأشخاص الذين يرفضون ذلك، لأنهم أصحاب رسالة لا يخضعون للإغراء، ولا يسقطون أمام المال؟