التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

ثم بين - سبحانه - أنه ليس غافلا عن أعمال أولئك المنافقين ، وأرشد نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وسائل معالجتهم فقال - تعالى - : { أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } .

أى : أولئك الذين نافقوا ، وأخفوا حقيقة نواياهم السيئة ، وتركوا حكم الله إلى حكم الطاغوت . . . { أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من النفاق والميل إلى الكفر ، وإن أظهروا إسلامهم .

وقوله { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } . . . الخ بيان لطرق معالجتهم .

أى : فلا تلتفت إليهم ، وغض الطرف عن مسالكهم الخبيثة ، ولا تقبل عليهم ، لكى يشعروا باستنكارك لأعمالهم .

وقوله { وَعِظْهُمْ } : الوعظ هو التذكير بفعل الخير وترك الشر بأسلوب يرقق القلوب ، ويشتمل على الترغيب والترهيب .

أى : ذكرهم بما فى أعمالهم القبيحة من سوء العاقبة لهم ، وبما فى تركها من خير جزيل يعود عليهم فى دنياهم وآخرتهم ، وأخبرهم بأن تحاكمهم إلى غير شريعة الله سيكون فيه هلاكهم .

وقوله { وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أى قل لهم بعد ذلك قولا يبلغ أعماق نفوسهم لقوته وشدة تأثيره . بأن تورد لهم ما تريد أن تخاطبهم به بطريقة تجعلهم يقبلون على قولك .

وفى هذه الجملة الكريمة ما فيها من التعبير البليغ المؤثر ، حتى لكأنما القول الذى يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم لهم : يودع مباشرة فى الأنفس ، ويستقر رأسا فى القلوب .

وقد وضح هذا المعنى صاحب الكشاف فقال : فإن قلت : بم تعلق قوله : { في أَنْفُسِهِمْ } قلت : بقوله { بَلِيغاً } أى : قبل لهم قولا بليغا فى أنفسهم مؤثرا فى قلوبهم يغتمون به اغتماما ، ويستشعرون منه الخوف استشعارا ، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق ، واطلع قرنه ، وأخبرهم أن ما فى نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله ، وانه لا فرق بينكم وبين المشركين . وما هذه المكانة إلا لإِظهاركم الإِيمان وإِسراركم الكفر وإضماره . فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف .

أو يتعلق بقوله { وَقُل لَّهُمْ } . أى : قل لهم فى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا . وإن الله يعلم ما فى قلوبكم . لا يخفى عليه . فلا يغنى عنكم إبطانه .

فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق . وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه ، وشرا من ذلك وأغلظ ، أو قل لهم فى أنفسهم خاليا بهم ، ليس معهم غيرهم . قولا بليغاً يبلغ منهم ، ويؤثر فيهم .

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد أرشدت النبى صلى الله عليه وسلم إلى استعمال ثلاثة طرق لصرف المنافقين عن أفعالهم القبيحة .

وهذه الطرق هى الإِعراض عنهم ، ووعظم بما يرغبهم فى الخير ويرهبهم من الشر ، ومخاطبتهم بالقول البليغ المؤثر الذى يحرك نفوسهم تحريكا قويا ، ويجعلهم يقبلون وهذه الطرق هى أسمى ألوان الدعوة إلى الله . وأنجع الأساليب فى جلب الناس إلى ما يأخذ بيدهم إلى الخير والفلاح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

58

والله - سبحانه - يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله [ ص ] ، أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق ، والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء :

( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم ، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) . .

أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ؛ ويحتجون بهذه الحجج ، ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت متبعة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم ، وأخذهم بالرفق ، واطراد الموعظة والتعليم . .

والتعبير العجيب :

وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا .

تعبير مصور . . كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس ، ويستقر مباشرة في القلوب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أُولََئِكَ الّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { أولئك } هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم ، يعلم الله مّا في قلوبهم في احتكامهم إلى الطاغوت ، وتركهم الاحتكام إليك ، وصدودهم عنك من النفاق والزيغ ، وإن حلفوا بالله ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ، { فأعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ } يقول : فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم ، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحلّ بهم ، وعقوبته أن تنزل بدارهم ، وحَذّرْهُمْ من مكروه ما هم عله من الشكّ في أمر الله وأمر رسوله . { وقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسَهِمْ قَوْلاً بَلِيغا } يقول : مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا} (63)

{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } من النفاق فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب . { فأعرض عنهم } أي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم . { وعظهم } بلسانك وكفهم عما هم عليه . { وقل لهم في أنفسهم } أي في معنى أنفسهم أو خاليا بهم فإن النصح في السر أنجع . { قولا بليغا } يبلغ منهم ويؤثر فيهم ، أمرهم التجافي عن ذنوبهم والنصح لهم والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب ، وذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم السلام ، وتعليق الظرف ببليغا على معنى بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها ضعيف لأن معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف ، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به .