التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدٗا} (27)

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ . . } اعلم أن من هذه الآية إلى قصة موسى - عليه السلام - والخضر ، كلام واحد فى قصة واحدة وذلك أن أكابر كفار قريش احتجبوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الفقراء . . فنهاه الله عن طردهم لأنه مطلوب فاسد . . ثم إنه - سبحانه - أمره بالمواظبة على تلاوة كتابه ، وأن لا يلتفت إلى اقتراح المقترحين ، وتعنت المتعنتين .

قوله - سبحانه - : { واتل } . . . فعل أمر من التلاوة بمعنى القراءة .

أى : وعليك أيها الرسول الكريم - أن تواظب وتداوم على قراءة ما أوحيناه إليك من هذا القرآن الكريم ، وأن تتبع إرشاداته وتوجيهاته ، فإن فى ذلك ما يهديك إلى الطريق الحق ، وما يغنيك عن السؤال والاستفتاء ، قال - تعالى - : { إِنَّ الذين يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُواْ الصلاة وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } وصيغة الأمر فى قوله - سبحانه - : { واتل . . } لإِبقاء الفعل لا لإِيجاده ، كما فى قوله - تعالى - : { اهدنا الصراط المستقيم } و " من " فى قوله { مِن كِتَابِ رَبِّكَ } بيانية .

وقوله : { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أى ليس فى هذا الكون أحد فى إمكانه أن يغير أو يبدل شيئا من الكلمات التى أوحاها الله - تعالى - إليك - أيها الرسول الكريم - ، لأننا قد تكفلنا بحفظ هذا الكتاب الذى أوحيناه إليك .

قال - تعالى - : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السميع العليم } وقال - سبحانه - { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فالجملة الكريمة وهى قوله - سبحانه - { لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ } نفت قدرة أحد على تبديل كلمات الله ، لأن أخبارها صدق ، وأحكامها عدل ، وإنما الذى يقدر على التغيير والتبديل هو الله - تعالى - وحده .

والضمير فى { كلماته } يعود على الله - تعالى - ، أو على الكتاب .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } .

وأصل الملتحد : مكان الالتحاد وهو افتعال من اللحد بمعنى الميل . ومنه اللحد فى القبر ، لأنه ميل فى الحفر . ومنه قوله - تعالى - : { إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ . . } أى : يميلون فى آياتنا .

فالمراد بالملتحد : المكان الذى يميل فيه إلى ملجأ للنجاة .

والمعنى : وداوم أيها الرسول الكريم على تلاوة ما أوحيناه إليك من كتابنا الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واعلم أنك إن خالفت ذلك لن تجد غير الله - تعالى - ملجأ تلجأ إليه ، أو مأوى تأوى إليه ، لكى تنجو مما يريده بك .

فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير الشديد - فى شخص الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من يقصر فى تلاوة كتاب الله ، أو يحاول التبديل فى ألفاظه ومعانيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدٗا} (27)

وبتوجيه الرسول [ ص ] إلى تلاوة ما أوحاه ربه إليه ، وفيه فصل الخطاب - وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل - والاتجاه إلى الله وحده ، فليس من حمى إلا حماه . وقد فر إليه أصحاب الكهف فشملهم برحمته وهداه :

( واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ، ولن تجد من دونه ملتحدا ) . .

وهكذا تنتهي القصة ، تسبقها وتتخللها وتعقبها تلك التوجيهات التي من أجلها يساق القصص في القرآن . مع التناسق المطلق بين التوجيه الديني والعرض الفني في السياق .