التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الشعراء

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة الشعراء هي السورة السادسة والعشرون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان نزولها بعد سورة الواقعة . كما يقول صاحب الإتقان ، أي : هي السادسة والأربعون في ترتيب النزول .

2- قال القرطبي : هي مكية في قول الجمهور . وقال مقاتل : منها مدني ؛ الآية التي يذكر فيها الشعراء ، وقوله : [ أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ] . وقال ابن عباس وقتادة : مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله –تعالى- : [ والشعراء يتبعهم الغاوون ] إلى آخر السورة . وهي مائتنان وسبع وعشرون آية . وفي رواية : وست وعشرون( {[1]} ) .

3- وسورة الشعراء تسمى –أيضاً- بسورة " الجامعة " . ويغلب على هذه السورة الكريمة ، الحديث عن قصص الأنبياء مع أقوامهم .

فبعد أن تحدثت في مطلعها عن سمو منزلة القرآن الكريم ، وعن موقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم أتبعت ذلك بالحديث عن قصة موسى مع فرعون ومع بني إسرائيل ، ثم عن قصة إبراهيم مع قومه ، ثم عن قصة لوط مع قومه ، ثم عن قصة شعيب مع قومه . .

4- ثم تحدثت في أواخرها عن نزول الروح الأمين بالقرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، وساقت ألوانا من التسلية والتعزية للرسول صلى الله عليه وسلم بسبب تكذيب الكافرين له ، وأرشدته إلى ما يجب عليه نحو عشيرته الأقربين ، ونحو المؤمنين ، وبشرت أتباعه بالنصر وأنذرت أعداءه بسوء المصير ، فقد ختمت بقوله –تعالى- : [ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا ، وانتصروا من بعد ما ظلموا ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ] .

5- والسورة الكريمة بعد ذلك تمتاز بقصر آياتها ، ويجمعها لموضوعات السور المكية ، من إقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى أن البعث حق ، وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، كما نرى أسلوبها يمتاز بالترغيب والترهيب ، الترغيب للمؤمنين في العمل الصالح ، والترهيب للمشركين بسوء الصبر إذا ما استمروا على شركهم .

وقد ختمت كل قصة من قصص هذه السورة الكريمة بقوله –تعالى- : [ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] وقد تكرر ذلك فيها ثماني مرات . . .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . . .

د . محمد سيد طنطاوي

القاهرة : مدينة نصر ، الأحد 5 من جمادى الأولى 1405ه

27/1/1985م .

سورة الشعراء من السور التى افتتحت بحرف من الحروف المقطعة وهو قوله - تعالى - : { طسم } .

وقد ذكرنا آراء العلماء فى الحروف المقطعة بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور : " البقرة ، آل عمران ، والأعراف ، ويونس . . " إلخ .

وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه ، للذين تحداهم القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لهؤلاء المعاندين والمعارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك فى أنه من عند الله - تعالى - فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله ، أو سورة واحدة من مثله ، فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{طسٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشعراء مكية وآياتها سبع وعشرون ومائتان

موضوع هذه السورة الرئيسي هو موضوع السور المكية جميعا . . العقيدة . . ملخصة في عناصرها الأساسية : توحيد الله : ( فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ) . . والخوف من الآخرة : ( ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) . . والتصديق بالوحي المنزل على محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ( وإنه لتنزيل رب العالمين ؛ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) . . ثم التخويف من عاقبة التكذيب ، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين ؛ وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين : ( فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ! ) . . ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .

ذلك إلى تسلية الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وتعزيته عن تكذيب المشركين له وللقرآن : ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )وإلى طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين ؛ وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين ؛ كما ثبت من قبلهم من المؤمنين .

وجسم السورة هو القصص الذي يشغل ثمانين ومائة آية من مجموع آيات السورة كلها . والسورة هي هذا القصص مع مقدمة وتعقيب . والقصص والمقدمة والتعقيب تؤلف وحدة متكاملة متجانسة ، تعبر عن موضوع السورة وتبرزه في أساليب متنوعة ، تلتقي عند هدف واحد . . ومن ثم تعرض من كل قصة الحلقة أو الحلقات التي تؤدي هذه الأغراض .

ويغلب على القصص كما يغلب على السورة كلها جو الإنذار والتكذيب ، والعذاب الذي يتبع التكذيب . ذلك أن السورة تواجه تكذيب مشركي قريش لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] واستهزاءهم بالنذر ، وإعراضهم عن آيات الله ، واستعجالهم بالعذاب الذي يوعدهم به ؛ مع التقول على الوحي والقرآن ؛ والادعاء بأنه سحر أو شعر تتنزل به الشياطين !

والسورة كلها شوط واحد - مقدمتها وقصصها وتعقيبها - في هذا المضمار . لذلك نقسمها إلى فقرات أو جولات بحسب ترتيبها . ونبدأ بالمقدمة قبل القصص المختار :

( طسم . تلك آيات الكتاب المبين ) . .

طا . سين . ميم . . الأحرف المقطعة للتنبيه إلى أن آيات الكتاب المبين - ومنها هذه السورة - مؤلفة من مثل هذه الأحرف ؛ وهي في متناول المكذبين بالوحي ؛ وهم لا يستطيعون أن يصوغوا منها مثل هذا الكتاب المبين . والحديث عن هذا الكتاب متداول في السورة . في مقدمتها ونهايتها . كما هو الشأن في السور المبدوءة بالأحرف المقطعة في القرآن .