ثم - حكى - سبحانه - عنهم تكذيبهم لما كان متعارفا عليه فى الجاهلية من أن الجن سلطانا على الناس ، وأن لهم قدرة على النفع والضر . . فقال - تعالى - : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادُوهُمْ رَهَقاً . . } .
وقوله : { يَعُوذُونَ } من العَوْذ بمعنى الاستجارة بالشئ والالتجاء إليه طلبا للنجاة .
والرهق : الإِثم وغشيان المحارم .
قال صاحب الكشاف : والرهق : غشيان المحارم ، والمعنى : أن الإِنس باستعاذتهم بهم - أى بالجن - زادوهم كفرا وتكبرا . وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى فى واد قفر فى بعض مسايره ، وخاف على نفسه قال : أعوذ بسيد هذا الوادى من سفهاء قومه ، يريد الجن وكبيرهم ، فإذا سمعوا ذلك استكبروا وقالوا : سدنا الجن والإِنس ، فذلك رهقهم ، أو : فزاد الجنُّ والإِنسَ رهقا بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم . .
فالمقصود به من الآية الكريمة بيان فساد ما كان شائعا فى الجاهلية - بل وفى بعض البيئات حتى الآن - من أن الجن لهم القدرة على النفع والضر وأن بعض الناس كانوا يلجأون إليهم طلبا لمنفعتهم وعونهم على قضاء مصالحهم .
وإطلاق اسم الرجال على الجن ، من باب التشبيه والمشاكلة لوقوعه من رجال من الإِنس ، فإن الرجل اسم للمذكر البالغ من بنى آدم .
( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) . .
وهذه إشارة من الجن إلى ما كان متعارفا في الجاهلية - وما يزال متعارفا إلى اليوم في بيئات كثيرة - من أن للجن سلطانا على الأرض وعلى الناس ، وأن لهم قدرة على النفع والضر ، وأنهم محكمون في مناطق من الأرض أو البحر أو الجو . . إلى آخر هذه التصورات . مما كان يقتضي القوم إذا باتوا في فلاة أو مكان موحش ، أن يستعيذوا بسيد الوادي من سفهاء قومه ، ثم يبيتون بعد ذلك آمنين !
والشيطان مسلط على قلوب بني آدم - إلا من اعتصم بالله فهو في نجوة منه - وأما من يركن إليه فهو لا ينفعه . فهو عدو له . إنما يرهقه ويؤذيه . . وهؤلاء النفر من الجن يحكون ما كان يحدث : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) . . ولعل هذا الرهق هو الضلال والقلق والحيرة التي تنوش قلوب من يركنون إلى عدوهم ، ولا يعتصمون بالله منه ويستعيذون ! كما هم مأمورون منذ أبيهم آدم وما كان بينه وبين إبليس من العداء القديم !
والقلب البشري حين يلجأ إلى غير الله ، طمعا في نفع ، أو دفعا لضر ، لا يناله إلا القلق والحيرة ، وقلة الاستقرار والطمأنينة . . . وهذا هو الرهق في أسوأ صوره . . الرهق الذي لا يشعر معه القلب بأمن ولا راحة !
إن كل شيء - سوى الله - وكل أحد ، متقلب غير ثابت ، ذاهب غير دائم ، فإذا تعلق به قلب بقي يتأرجح ويتقلب ويتوقع ويتوجس ؛ وعاد يغير اتجاهه كلما ذهب هذا الذي عقد به رجاءه . والله وحده هو الباقي الذي لا يزول . الحي الذي لا يموت . الدائم الذي لا يتغير . فمن اتجه إليه اتجه إلى المستقر الثابت الذي لا يزول ولا يحول :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.