وهنا رد عليهم المؤذن ومن معه من حراس : { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك } أى : صاعه الذي يشرب فيه ، ويكتال به للممتارين .
{ وَلِمَن جَآءَ بِهِ } أى بهذا الصاع ، أو دل على سارقه .
{ حِمْلُ بَعِيرٍ } من الطعام زيادة على حقه كمكافأة له .
{ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } أى : وأنا بهذا الحمل كفيل بأن أدفعه لمن جاءنا بصواع الملك .
ويبدو أن القائل لهذا القول هو المؤذن السابق ، ولعله قد قال ذلك بتوجيه من يوسف - عليه السلام - .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : قال بنو يعقوب لما نودوا : أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم : ماذَا تَفْقِدُونَ ما الذي تفقدون ؟ قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ يقول : فقال لهم القوم : نفقد مَشْرَبَة الملك .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فذُكر عن أبي هريرة أنه قرأ : «صَاعَ المَلِكَ » بغير واو ، كأنه وجهه إلى الصاع الذي يكال به الطعام . ورُوي عن أبي رجاء أنه قرأه : «صَوْعَ المَلِكَ » . ورُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه : «صَوْغَ المَلِكَ » بالغين ، كأنه وجهه إلى أنه مصدر ، من قولهم صاغ يصوغ صَوْغا . وأما الذي عليه قرّاء الأمصار : فصواع الملك ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها . والصّواع : هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام ، وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذا الحرف : صُوَاعَ المَلِكِ قال : كهيئة المَكّوك . قال : وكان للعباس مثله في الجاهلية يشرب فيه .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : صُوَاعَ المَلِكِ قال : كان من فضة مثل المَكّوك . وكان للعباس منها واحد في الجاهلية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع . قال : حدثنا أبي . عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِكِ قال : كان من فضة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، أنه قرأ : صُوَاعَ المَلِكِ قال وكان إناءه الذي يشرب فيه ، وكان إلى الطول ما هو .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سويد بن عمرو ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : صُوَاعَ المَلِكِ قال : المَكّوك الفارسيّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : صُوَاعَ المَلِكِ قال : هو المَكّوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه ، كانت تشرب فيه الأعاجم .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : صُوَاعَ المَلِكِ قال : إناء الملك الذي كان يشرب فيه .
حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا يحيى : يعني ابن عباد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : قال : صُوَاعَ المَلِكِ : مَكّوك من فضة يشربون فيه . وكان للعباس واحد في الجاهلية .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : صُوَاع المَلِكِ : إناء الملك الذي يشرب فيه .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : صُوَاعَ المَلِكِ قال : هو المَكّوك الفارسي الذي يلتقي طَرَفاه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الصواع : كان يشرب فيه يوسف .
حدثنا محمد بن معمر البحراني ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا صدقة بن عباد ، عن أبيه عن ابن عباس : صُوَاعَ المَلِكِ قال : كان من نُحاس .
وقوله : وَلِمَنْ جاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يقول : ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلِ بَعِيرٍ يقول : وِقْر بعير .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : حِمْلُ بَعِيرٍ قال : حمل طعام وهي لغة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : حِمْلُ بَعِيرٍ قال : حمل طعام ، وهي لغة .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قوله حِمْلُ بَعِيرٍ قال : حمل حمار .
وقوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ يقول : وأنا بأن أوفيه حمل بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ يقول : كفيل .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ الزعيم : هو المؤذن الذي قال : أيّتُها العِيرُ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد الأحمر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد ، ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن ورقاء بن إياس ، عن سعيد بن جبير : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال : كفيل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأنا بِهِ زَعِيمٌ : أي وأنا به كفيل .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال : كفيل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال كفيل .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، فذكر مثله .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : وأنا بِهِ زَعِيمٌ قال كفيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال لهم الرسول : إنه من جاءنا به فله حمل بعير وأنا به كفيل بذلك حتى أؤدّيه إليه .
ومِن الزعيم الذي بمعنى الكفيل قول الشاعر :
فلَسْتُ بآمِرٍ فِيها بسَلْمٍ *** ولكِنّي على نَفْسِي زَعِيمُ
وأصل الزعيم في كلام العرب : القائم بأمر القوم ، وكذلك الكفيل والحَمِيل ، ولذلك قيل : رئيس القوم زعيمهم ومدبرهم ، يقال منه : قد زَعُم فلان زَعامة وزَعَاما ومنه قول ليلى الأخيلية :
حتى إذَا بَرَزَ اللّوَاءُ رأيْتَهُ *** تحتَ اللّوَاءِ على الخَمِيسِ زَعِيما
جعلوا جعلا لمن يأتي بالصواع . والذي قال : { وأنا به زعيم } واحد من المقبلين وهو كبيرهم . والزعيم : الكفيل .
وهذه الآية قد جعلها الفقهاء أصلاً لمشروعية الجعل والكفالة . وفيه نظر ، لأن يوسف عليه السلام لم يكن يومئذٍ ذا شَرْع حتى يستأنس للأخذ ب ( أنّ شَرْعَ من قَبْلنا شَرْع لنا ) : إذا حكاه كلام الله أو رسوله . ولو قدّر أن يوسف عليه السلام كان يومئذٍ نبيئاً فلا يثبت أنه رسول بشرع ، إذ لم يثبت أنه بعث إلى قوم فرعون ، ولم يكن ليوسف عليه السلام أتباع في مصر قبْل ورود أبيه وإخوتهِ وأهلِيهم . فهذا مأخذ ضعيف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.