{ وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ . . } .
إن هذه الآيات تحكى قصة عجيبة لبنى إسرائيل ملخصها : أنهم بعد أن خرجوا من مصر بقيادة موسى - عليه السلام تبعهم فرعون وجنوده ليعيدوهم إليها ، إلا أن الله - تعالى - انتقم لهم من فرعون وجنده فأغرقهم أمام أعينهم وسار بنو إسرائيل نحو المشرق متجهين إلى الأرض المقدسة بعد أن عبروا البحر ، ولكنهم ما إن جاوزوا البحر الذي غرق فيه عدوهم والذى ما زالت رماله رطبة عالقة بنعالهم ، حتى وقعت أبصارهم على قوم يعبدون الأصنام ، فماذا كان من بنى إسرائيل ؟
كان منهم أن عاودتهم طبيعتهم الوثنية ، فطلبوا من نبيهم موسى - عليه السلام - الذي جاء لهدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من ظلم أن يصنع لهم آلهة من جنس الآلهة التي يعبدها أولئك القوم .
وهنا غضب عليهم موسى غضباً شديداً . ووصفهم بأنهم قوم يجهلون الحق ، وبين لهم فساد ما عليه المشركون ، وذكرهم بما حباهم الله - تعالى - به من نعم جزيلة ، يوجب عليهم إفراده بالخضوع والعبادة والطاعة والشكر .
وقوله - تعالى - { وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ البحر } بيان للمنة العظيمة التي منحهم الله إياها ، وهى عبورهم البحر بعد أن ضربه موسى بعصاه ، فأصبح طريقا يابسا يسيرون فيه بأمان واطمئنان حتى عبروه إلى الناحية الأخرى ، يصحبهم لطف الله ، وتحدوهم عنايته ورعايته .
وجاوز بمعنى أصل الفعل الذي هو جاز ، أى : قطعنا بهم البحر . يقال : جاز الوادى وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره .
والمراد بالبحر : بحر القلزم وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر .
وقوله تعالى { فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ } بيان لما شاهدوه من أحوال بعض المشركين عقب عبورهم البحر ونجاتهم من عدوهم ، فماذا كانت نتيجة هذه المشاهدة ؟ لقد كان المتوقع منهم أن يحتقروا ما شاهدوه ، وأن ينفروا مما أبصروه ، لأن العهد لم يطل بهم منذ أن كانوا يسامون سوء العذاب في ظل عبادة الأصنام عند فرعون وقومه ، ولأن نجاتهم مما كانوا فيه من ذل وهوان ، قد تمت على يد نبيهم الذي دعاهم إلى توحيد الله - تعالى - لكى يزيدهم من فضله .
ولكن طبيعة بنى إسرائيل المعوجة لم تفارقهم ، فهاهم أولاء ما إن وقعت أبصارهم على قوم يعكفون ويداومون على عبادة أصنام لهم ، حتى انجذبوا إليها وطلبوا من نبيهم الذي جاء لهدايتهم ، أن يجعل لهم وثناً كغيرهم لكى يعدبوه من جديد . لقد حكى القرآن عنهم أنهم عندما شاهدوا هذا المنظر ، ما لبثوا أن قالوا لنبيهم { ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } . قالوا ذلك لأن الإيمان لم يستقر في قلوبهم ، ولأن ما ألفوه من عبادة الأصنام أيام استعباد فرعون لهم ، ما زال متمكناً من نفوسهم ، ومسيطراً على عقولهم ، وهكذا عدوى الأمراض تصيب النفوس كما تصيب الأبدان ، وهكذا طبيعة بنى إسرائيل ما تكاد تهتدى حتى تضل ، وما تكاد ترتفع حتى تنحط ؛ وما تكاد تسير في طريق الاستاقمة حتى ترتكس وتنتكس .
وفى قولهم لنبيهم { اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } بصيغة الأمر ؛ أكبر دليل على غباء عقولهم ، وسوء أدبهم ؛ لأنهم لو استأذنوه - مثلا - في اتخاذ صنم يعبدونه كغيرهم لكان شأنهم أقل غرابة ؛ ولكن الذي حصل منهم أنهم طلبوا منه - وهو نبيهم الداعى لهم إلى توحيد الله تعالى ؛ والمنقذ لهم من عدوهم الوثنى الجبال - أن يقوم هو بنفسه بصناعة صنم لكى يعبدوه كغيرهم ! ! .
قال القرطبى : ونظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط - لأنهم كانوا ينوطون بها سلاحهم أى يعلقونه - وكان الكفار يعظمون هذه الشجرة في كل سنة يوماً ، قال الأعراب : " يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أكبر . قلتم والذى نفسى بيده كما قال قوم موسى { اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه " وكان هذا في مخرجه إلى حنين .
ولقد غضب موسى - عليه السلام - من طلبهم هذا - وهو الغضوب بطبيعته لربه ودينه - فرد عليهم رداً قوياً فيه توبيخ لهم وتعجب من قولهم بعد أن رأوا من المعجزات ما رأوا فقال : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } أى : إنكم يا بنى إسرائيل بطلبكم هذا برهنتم على أنكم قوم قد ملأ الجهل قلوبكم ، وغطى على عقولكم ، فصرتم لا تفرقون بين ما عليه هؤلاء من ضلال مبين ، وبين ما تستحقه الألوهية من صفات وتعظيم ولم يقيد ما يجهلونه ليفيد أنه جهل كامل شامل يتناول فقد العالم ، وسفه النفس ، وفساد العقل . وسوء التقدير .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيَ إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىَ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىَ أَصْنَامٍ لّهُمْ قَالُواْ يَمُوسَىَ اجْعَلْ لّنَآ إِلََهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد الاَيات التي أريناهموها والعبر التي عاينوها على يدي نبيّ الله موسى ، فلم تزجرهم تلك الاَيات ولم تعظهم تلك العبر والبينات حتى قالوا مع معاينتهم من الحجج ما يحقّ أن يذكر معها البهائم ، إذ مرّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ، يقومون على مثل لهم يعبدونها من دون الله ، اجعل لنا يا موسى إلها ، يقول : مثالاً نعبده وصنما نتخذه إلها ، كما لهؤلاء القوم أصنام يعبدونها ، ولا تنبغي العبادة لشيء سوى الله الواحد القهار . وقال موسى صلوات الله عليه : إنكم أيها القوم قوم تجهلون عظمة الله وواجب حقه عليكم ، ولا تعلمون أنه لا تجوز العبادة لشيء سوى الله الذي له ملك السموات والأرض .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج : وَجاوَزْنا بِبَنِي إسْرَائِيلَ البَحْرَ فأتَوْا على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أصْنامٍ لَهُمْ قال ابن جريج : على أصنام لهم ، قال : تماثيل بقر ، فلما كان عجل السامريّ شبه لهم أنه من تلك البقر ، فذلك كان أوّل شأن العجل قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قال إنّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ .
وقيل : إن القوم الذين كانوا عكوفا على أصنام لهم ، الذين ذكرهم الله في هذه الاَية ، قوم كانوا من لخم . ذكر من قال ذلك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا بشر بن عمرو ، قال : حدثنا العباس بن المفضل ، عن أبي العوّام ، عن قتادة : فَأتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أصْنامٍ لَهُمْ قال : على لخم ، وقيل إنهم كانوا من الكنعانيين الذين أُمر موسى عليه السلام بقتالهم .
وقد حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري أن أبا واقد الليثي ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل حنين ، فمررنا بِسْدرَة ، قلت : يا نبيّ الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة يعكفون حولها . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اللّهُ أكْبَرُ هَذَا كمَا قالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهمْ آلهَةٌ ، إنّكُمْ سَترْكَبُونَ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهريّ ، عن سنان ابن أبي سنان ، عن واقد الليثي ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة ، فقلنا : يا نبيّ الله اجعل لنا هذه ذات أنواط ، فذكر نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سنان ابن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا ابن صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سنان بن أبي سنان الديلي ، عن أبي واقد الليثي : أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها ذات أنواط قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواط قال : «قُلْتُمْ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما قالَ قَوْمُ مِوسَى : اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ، قالَ إنّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ أنّها السّنَنُ لَترْكَبُنّ سُننَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ » .
لما تمت العبرة بقصة بعث موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه ، وكيف نصره الله على عدوه ، ونصر قومه بني إسرائيل ، وأهلك عدوهم كشأن سنة الله في نصر الحق على الباطل ، استرسل الكلام إلى وصف تكوين أمة بني إسرائيل وما يحق أن يعتبرَ به من الأحوال العارضة لهم في خلال ذلك مما فيه طمأنينةُ نفوس المؤمنين الصالحين في صالح أعمالهم ، وتحذيرهم مما يرمي بهم إلى غضب الله فيما يحقرون من المخالفات ، لما في ذلك كله من التشابه في تدبير الله تعالى أمور عبيده ، وسنته في تأييد رسله وأتباعهم ، وإيقاظ نفوس الأمة إلى مراقبة خواطرهم ومحاسبة نفوسهم في شكر النعمة ودحض الكفران .
والمجاوزة : البعد عن المكان عقب المرور فيه ، يقال : جَاوز بمعنى جاز ، كما يقال : عَالى بمعنى علا ، وفعله متعد إلى واحد بنفسه وإلى المفعول الثاني بالباء فإذا قلت : جُزتُ به ، فأصل معناه أنك جزته مصاحباً في الجواز به للمجرور بالباء ، ثم استعيرت الباء للتعدية يقال : جُزت به الطريق إذا سهلت له ذلك وإن لم تسر معه ، فهو بمعنى أجزته ، كما قالوا : ذَهبت به بمعنى أذهبته ، فمعنى قوله هنا : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر } قدرنا لهم جَوازه ويسرّناه لهم .
والبحر هو بحر القُلْزُم المعروف اليوم بالبحر الأحمر وهو المراد باليمّ في الآية السابقة ، فالتعريف للعهد الحضوري ، أي البحر المذكور كما هو شأن المعرفة إذا أعيدت معرفة ، واختلاف اللفظ تفنن ، وتجنباً للإعادة ، والمعنى : أنهم قطعوا البحر وخرجوا على شاطئه الشرقي .
و { أتوا على قوم } معناه أتَوْا قوماً ، ولما ضمن { أتَوْا } معنى مروا عدي بعلى ، لأنهم لم يقصدوا الإقامة في القوم ، ولكنهم ألْفَوهم في طريقهم .
والقوم هم الكنعانيون ويقال لهم عند العرب العمالقةُ ويعرفون عند متأخري المؤرخين بالفنيقيين .
والأصنام كانت صُورَ البقر ، وقد كان البقر يعبد عند الكنعانيين ، أي الفنيقيين باسم ( بَعل ) ، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى : { ثم اتخذتم العجل من بعده } في سورة البقرة ( 51 ) .
والعُكوف : الملازمة بنية العبادة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } في سورة البقرة ( 187 ) ، وتعدية العكوف بحرف ( على ) لما فيه من معنى النزول وتمكنه كقوله : { قالوا لن نبرح عليه عاكفين } [ طه : 91 ] .
وقريء { يعكفون } بضم الكاف للجمهور ، وبكسرها لحمزة والكسائي ، وخَلف ، وهما لغتان في مضارع عَكف .
واختير طريق التنكير في أصنام ووصفُه بأنها لهم ، أي القوم دون طريق الإضافة ليتوسل بالتنكير إلى إرادة تحقير الأصنام وأنها مجهولة ، لأن التنكير يستلزم خفاء المعرفة .
وإنما وصفت الأصنام بأنها لهم ولم يُقتصر على قوله : { أصنام } قال ابن عرفة التونسي : « عادتهم يجيبون بأنه زيادة تشنيع بهم وتنبيه على جهلهم وغوايتهم في أنهم يعبدون ما هو ملك لهم فيجعلون مملوكهم إلاههم » .
وفُصلت جملة { قالوا } ، فلم تعطف بالفاء : لأنها لما كانت افتتاح محاور ، وكان شأن المحاورة أن تكون جملها مفصولة شاع فصلها ، ولو عطفت بالفاء لجاز أيضاً .
ونداؤهم موسى وهو معهم مستعمل في طلب الإصغاء لما يقولونه ، إظهاراً لرغبتهم فيما سيطلبون ، وسموا الصنم إلاهاً لجهلهم فهم يحْسبون أن اتخاذ الصنم يُجدي صاحبه ، كما لو كان إلاهُه معَه ، وهذا يدل على أن بني إسرائيل قد انخلعوا في مدة إقامتهم بمصر عن عقيدة التوحيد وحنيفية إبراهيم ويعقوب التي وصى بها في قوله : { فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] لأنهم لما كانوا في حال ذل واستعباد ذهب علمهم وتاريخ مجدهم واندمجوا في ديانة الغالبين لهم فلم تبق لهم ميزة تميزهم إلاّ أنهم خدمة وعبيد .
والتشبيه في قوله : { كما لَهم آلهة } أرادوا به حَض موسى على إجابة سؤالهم ، وابتهاجاً بما رأوا من حال القوم الذين حَلّوا بين ظهرانيهم وكفَى بالأمة خسّةَ عقول أن تعُد القبيح حسناً ، وأن تتخذ المظاهر المزيّنة قدوة لها ، وأن تنخلع عن كمالها في اتباع نقائص غيرها .
و { ما } يجوز أن تكون صلة وتوكيداً كافة عمل حرف التشبيه ، ولذلك صار كاف التشبيه داخلاً على جملة لا على مفرد ، وهي جملة من خبر ومبتدأ ، ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية غير زمانية ، والجملة بعدها في تأويل مصدر ، والتقدير كوجود آلهة لهم ، وإن كان الغالب أن ( ما ) المصدرية لا تدخل إلاّ على الفعل نحو قوله تعالى : { ودوا ما عنَتّم } [ آل عمران : 118 ] فيتعين تقدير فعل يتعلق به المجرور في قوله : { لهم } أو يكتفَى بالاستقرار الذي يقتضيه وقوع الخبر جازا ومجروراً ، كقول نهْشَل بن جرير التميمي :
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه{[240]}
وفصلت جملة { قال إنكم قوم تجهلون } لوقوعها في جواب المحاورة ، أي : أجاب موسى كلامهم ، وكان جوابه بعنف وغلظة بقوله : { إنكم قوم تجهلون } لأن ذلك هو المناسب لحالهم .
والجهل : انتفاء العلم أو تصور الشيء على خلاف حقيقته ، وتقدم في قوله تعالى : { للذين يعملون السوء بجهالة } في سورة النساء ( 17 ) ، والمراد جهلهم بمفاسد عبادة الأصنام ، وكانَ وصف موسى إياهم بالجهالة مؤكداً لما دلت عليه الجملة الاسمية من كون الجهالة صفة ثابتة فيهم وراسخة من نفوسهم ، ولولا ذلك لكان لهم في باديء النظر زاجر عن مثل هذا السؤال ، فالخبر مستعمل في معنييه : الصريح والكناية ، مكنى به عن التعجب من فداحة جهلهم .
وفي الإتيان بلفظ { قوم } وجعل ما هو مقصود بالإخبار وصفاً لقوم ، تنبيه على أن وصفهم بالجهالة كالمتحقق المعلوم الداخل في تقويم قوميتهم ، وفي الحكم بالجهالة على القوم كلهم تأكيد للتعجب من حال جهالتهم وعمومها فيهم بحيث لا يوجد فيهم من يشذ عن هذا الوصف مع كثرتهم ، ولأجل هذه الغرابة أكد الحكم ( بإن ) لأن شأنه أن يتردد في ثبوته السامعُ .