جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ} (138)

{ وجاوزنا{[1702]} ببني إسرائيل البحر } عبرنا بهم { فأتوا على قوم } مروا عليهم { يعكُفون } يقيمون { على } عبادة { أصنام لهم قالوا يا موسى{[1703]} اجعل لنا إلها } مثالا نعبده { كما لهم{[1704]} آلهة } ما كافة { قال إنكم قوم تجهلون } لأن العاقل لا يطلب معبودا مخلوقا لا يضر ولا ينفع .


[1702]:ولما ذكر إنعامه على بني إسرائيل وانتقامه على القبط أخذ يبين كفران بني إسرائيل نعمهم وصنيعهم في مقابلة ما أنعم عليهم فقال: (وجاوزنا)/12 وجيز.
[1703]:قوله تعالى (اجعل لنا إلها) قال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب المعروف بالكبير: واعلم أن من المستحيل أن يقول العاقل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وخالقا ومدبرا لأن الذي يجعل موسى وتقديره لا يمكن أن يكون خالقا للعالم ومدبرا له ومن شك في ذلك لم يكن كامل العقل والأقرب أنهم طلبوا من موسى عليه السلام أن يعين لهم أصناما وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى وهذا القول هو الذي حكاه الله تعالى عن عبدة الأوثان حيث قالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: 3) إذا عرفت هذا فلقائل أن يقول: لم كان هذا القول كفرا فنقول أجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله كفر سواء اعتقد في ذلك الغير كونه إلها للعالم أو اعتقد فيه أن عبادته تقربه إلى الله تعالى؛ لأن العبادة نهاية التعظيم ونهاية التعظيم لا يليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام والإكرام/12 كبير.
[1704]:يعني كما لهم أصنام يعبدونها ويعظمونها فاجعل لنا إلها نعبده ونعظمه قال البغوي: ولم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في وحدانية الله تعالى وإنما معناه اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله تعالى وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة وكان ذلك لشدة جهلهم، فرد عليهم موسى عليه السلام بقوله (إنكم قوم تجهلون) يعني تجهلون عظمة الله وأنه لا يستحق أن يعبد سواه، لأنه هو الذي أنجاكم من فرعون وقومه فأغرقهم في البحر وأنجاكم منه. عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خرج إلى غزوة حنين مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم) أخرجه الترمذي وصححه النسائي وأحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه/12 لباب التأويل المعروف بخازن. [وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الترمذي) (1771) وفي (ظلال الجنة)].