التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

ثم مضت السورة الكريمة في تثبيت الطمأنينة في قلب النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى قلوب أصحابه فبينت لهم أن الله كافيهم وناصرهم ، وأن القلة منهم تغلب الكثرة من أعداء الله وأعدائهم فقال - تعالى - : { ياأيها النبي . . . مَعَ الصابرين } .

قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء ، وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقاً على جميع التقديرات ، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار ؛ لأن المعنى في الآية الأولى ؛ إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم .

والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين والدنيا .

وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال . .

وقوله : { حَسْبُكَ } صفة مشبهة بمعنى اسم الفاعل ، والكاف في محل جر .

والواو في قوله { وَمَنِ اتبعك } بمعنى مع ، و { مَنِ } في محل نصب عطفاً على الموضع ، فإن قوله { حَسْبُكَ } بمعنى كافيك في جميع أمورك .

والمعنى : يأيها النبى كافيك الله وكافى متبعيك من المؤمنين فهو - سبحانه - ناصركم ومؤيدكم على أعدائكم وإن كثر عددهم وقل عددكم ، وما دام الأمر كذلك ، فاعتمدوا عليه وحده ، وأطيعوا في السر والعلن ؛ لكى يديم عليكم عونه وتأييده ونصره .

قال بعض العلماء : قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية : أى : الله وحده كافيك وكافى أتباعك فلا يحتاجون معه إلى أحد . ثم قال : وههنا تقديران :

أحدهما : أن تكون الواو عاطفة للفظ " من " على الكاف المجرروة . .

والثانى : أن تكون الواو بمعنى " مع " وتكون " من " في محل نصب عطفاً على الموضع . فإن " حسبك " في معنى كافيك أى : الله يكفيك ويكفى من اتبعك ، كما يقول العرب : حسبك وزيدا درهم ، قال الشاعر :

وإذا كانت الهيجاء وانشقت العصا . . . فحسبك والضحاك سيف مهند

وهذا أصح التقديرين . وفيها تقدير ثالث : أن تكون " من " في موضع رفع بالابتداء : أي ومن اتبعك من المؤمنين فحسبهم الله .

وفيها تقدير رابع وهو خطأ من جهة المعنى ، وهو أن يكون " من " في موضع رفع عطفا على اسم الله . ويكون المعنى : حسبك الله وأتباعك .

هذا وإن قال به بعض الناس فهو خطأ محض ، لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن الحسب والكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبيّ حسبك الله ، وحسب من اتبعك من المؤمنين الله . يقول لهم جلّ ثناؤه : ناهضوا عدوّكم ، فإن الله كافيكم أمرهم ، ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم ، فإن الله مؤيدكم بنصره .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن شوذب بن معاذ ، عن الشعبيّ في قوله : يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال : حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين الله .

حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن شوذب ، عن الشعبيّ ، في قوله : يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال : حسبك الله وحسب من معك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن سفيان ، عن شوذب ، عن عامر ، بنحوه ، إلا أنه قال : حسبك الله وحسب من شهد معك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد ، في قوله : يا أيّها النّبيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ قال : يا أيها النبيّ حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين ، إنّ حسبك أنت وهم الله .

ف«مَنْ » من قوله : وَمَنِ اتّبَعَكَ منَ المُؤْمِنِينَ على هذا التأويل الذي ذكرناه عن الشعبي نصب عطفا على معنى الكاف في قوله : حَسْبُكَ اللّهُ لا على لفظه ، لأنها في محل خفض في الظاهر وفي محل نصب في المعنى ، لأن معنى الكلام : يكفيك الله ، ويكفي من اتبعك من المؤمنين . وقد قال بعض أهل العربية في «مَن » : إنها في موضع رفع على العطف على اسم الله ، كأنه قال : حسبك الله ومتبعوك إلى جهاد العدوّ من المؤمنين دون القاعدين عنك منهم . واستشهد على صحة قوله ذلك بقوله : حَرّضِ المُؤْمِنينَ على القِتالِ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسۡبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (64)

استئناف ابتدائي بالإقبال على خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأوامر وتعاليم عظيمة ، مُهّد لقبولها وتسهيلها بما مضى من التذكير بعجيب صنع الله والامتنان بعنايته برسوله والمؤمنين ، وإظهار أن النجاح والخير في طاعته وطاعة الله ، من أوّل السورة إلى هنا ، فموقع هذه الآية بعد التي قبلها كَامل الاتّساق والانتظام ، فإنّه لمّا أخبره بأنّه حَسبه وكافيه ، وبيّن ذلك بأنّه أيّده بنصره فيما مضى وبالمؤمنين ، فقد صار للمؤمنين حظّ في كفاية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فلا جرم أنتج ذلك أنّ حسبه الله والمؤمنون ، فكانت جملة : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } كالفذلكة للجملة التي قبلها .

وتخصيص النبي بهذه الكفاية لتشريف مقامه بأنّ الله يكفي الأمّة لأجله .

والقول في وقوع « حسب » مسنداً إليه هنا كالقول في قوله آنفاً { فإنّ حسبك الله } [ الأنفال : 62 ] .

وفي عطف المؤمنين « على اسم الجلالة هنا : تنويه بشأن كفاية الله النبي صلى الله عليه وسلم بهم ، إلاّ أنّ الكفاية مختلفة وهذا من عموم المشترك لا من إطلاَق المشترك على معنيين ، فهو كقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } .

وقيل يُجعل { ومن اتبعك } مفعولاً معه لقوله : { حسبك } بناء على قول البصريين إنّه لا يعطف على الضمير المجرور اسم ظاهر ، أو يجعل معطوفاً على رأي الكوفيين المجوّزين لمثل هذا العطف . وعلى هذا التقدير يكون التنويه بالمؤمنين في جعلهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التشريف ، والتفسير الأول أولى وأرشق .

وقد روي عن ابن عبّاس : أنّ قوله : { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } نزلت يوم أسلم عمر بن الخطاب . فتكون مكّيّة ، وبقيت مقروءة غير مندرجة في سورة ، ثم وقعت في هذا الموضع بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أنسب لها .

وعن النقّاش نزلت هذه الآية بالبيداء في بدر ، قبل ابتداء القتال ، فيكون نزولها متقدّما على أوّل السورة ثم جعلت في هذا الموضع من السورة .

والتناسب بينها وبين الآية التي بعدها ظاهر مع اتّفاقهم على أنّ الآية التي بعدها نزلت مع تمام السورة فهي تمهيد لأمر المؤمنين بالقتال ليحقّقوا كِفايتهم الرسول .