ثم واصل كبيرهم حديثه معهم فقال : { ارجعوا } يا إخوتى { إلى أَبِيكُمْ } يعقوب { فَقُولُواْ } له برفق وتلطف .
{ ياأبانا إِنَّ ابنك } بنيامين { سرق } صواع الملك ، ووجد الصواع في رحله وقولا له أيضاً : إننا { وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } أى : وما شهدنا على أخينا بهذه الشهادة إلا على حسب علمنا ويقيننا بأنه سرق .
{ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } أى : وما كنا نعلم الغيب بأنه سيسرق صواع الملك ، عندما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا بأن نأتيك به معنا إلا أن يحاط بنا .
القول في تأويل قوله تعالى : { ارْجِعُوَاْ إِلَىَ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَأَبَانَا إِنّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل رُوبيل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه : ارْجِعُوا إخوتي إلى أبِيكُمْ يعقوب فَقُولُوا له يا أبانَا إنّ ابْنكَ بنيامين سَرَقَ . والقراءة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف : إنّ ابْنَكَ سَرَقَ . ورُوي عن ابن عباس : «إِن ابْنَكَ سُرّقَ » بضم السين وتشديد الراء ، على وجه ما لم يسمّ فاعله ، بمعنى : أنه سُرّق . وَما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وما قلنا إنه سَرَق إلاّ بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك ، لأن صوَاع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ارْجِعُوا إلى أبِيكُمْ فإني ما كنت راجعا حتى يأتيني أمره ، فقُولُوا يا أبانَا إنّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا : أي قد وُجِدَت السرقة في رحله ، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب . وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ بما علمنا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قال لهم يعقوب عليه السلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ بقولكم ؟ فقالوا : ما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ وذلك الذي علمنا . قال : وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا فيسترقّ .
وقوله : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ يقول : وما كنا نرى أن ابنك يَسْرِق ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا ونَحْفَظُ أخانا مما لنا إلى حفظه منه السبيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ لم نشعر أنه سيسرق .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : لم نشعر أنه سيسرق .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : لم نشعر أنه سيسرق .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِين قال : ما كنا نظنّ ولا نشعر أنه سيسرق .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : ما كنا نرى أنه سيسرق .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : ما كنا نظنّ أن ابنك يسرق .
وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله : وَما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا قول من قال : وما شهدنا بأن ابنك سرق إلاّ بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه لأنه عقيب قوله : إنّ ابْنَكَ سَرَقَ فهو بأن يكون خبرا عن شهادتهم بذلك أولى من أن يكون خبرا عما هو منفصل . وذكر أن الغيب في لغة حمير هو الليل بعينه .
ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ( 81 ) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( 82 ) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 83 )
الأمر بالرجوع قيل : هو من قول كبيرهم ، وقيل : بل هو من قول يوسف لهم ، والأول أظهر .
وقرأ الجمهور «سرقَ » على تحقيق السرقة على بنيامين ، بحسب ظاهر الأمر . وقرأ ابن عباس وأبو رزين «سُرِّق » بضم السين وكسر الراء وتشديدها{[6779]} ، وكأن هذه القراءة فيها لهم تحر ، ولم يقطعوا عليه بسرقة ، وإنما أرادوا جعله سارقاً بما ظهر من الحال - ورويت هذه القراءة عن الكسائي - وقرأ الضحاك : «إن ابنك سارقٌ » بالألف وتنوين القاف ، ثم تحروا بعد - على القراءتين - في قولهم { وما شهدنا إلا بما علمنا } أي وقولنا لك : { إن ابنك سرق } إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى ، والعلم في الغيب إلى الله ، ليس في ذلك حفظنا ، هذا قول ابن إسحاق ، وقال ابن زيد : قولهم : { ما شهدنا إلا بما علمنا } أرادوا به : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترقّ في شرعك إلا بما علمنا من ذلك ، { وما كنا للغيب حافظين } أن السرقة تخرج من رحل أحدنا ، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة ، فشهدنا عنده حين سألنا بعلمنا .
وقرأ الحسن «وما شهدنا عليه إلا بما علمنا » بزيادة «عليه » .
ويحتمل قوله : { وما كنا للغيب حافظين } أي حين واثقناك ، إنما قصدنا ألا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه ، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه .
وروي أن معنى قولهم : { للغيب } أي الليل ، الغيب : الليل - بلغة حمير - فكأنهم قالوا : وما شهدنا عندك إلا بما علمناه من ظاهر حاله ، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو أو التدليس عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.