التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإِهلاك للأمم المكذبة السابقة { لذكرى } أى : لتذكرة وعبرة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أى : لمن كان له قلب يعى ما يسمع ، ويعقل ما يوجه إليه ، ويعمل بمقتضى هذا التوجيه الحكيم . { أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ } أى : فيما سقناه عبرة وعظة لمن كان له قلب يعى الحقائق ، ولمن أصغى إلى ما يلقى إليه من إرشادات ، وهو حاضر الذهن صادق العزم لتنفيذ ما جاءه من الحق .

قال صاحب الكشاف : { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أى قلب واع ، لأن من لا يعى قلبه فكأنه لا قلب له ، وإلقاء السمع : الإِصغاء . { وَهُوَ شَهِيدٌ } أى : حاضر بقطنته ، لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب . . أو هو مؤمن شاهد على صحته ، وأنه وحى الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : إن في إهلاكنا القرون التي أهلكناها من قبل قريش لَذِكْرَى يُتَذَكّر بها لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ يعني : لمن كان له عقل من هذه الأمة ، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم ، خوفا من أن يحلّ بهم مثل الذي حلّ بهم من العذاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ فِي ذلكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ : أي من هذه الأمة ، يعني بذلك القلب : القلبَ الحيّ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ قال : من كان له قلب من هذه الأمة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ قال : قلب يعقل ما قد سمع من الأحاديث التي ضرب الله بها من عصاه من الأمم . والقلب في هذا الموضع : العقل . وهو من قولهم : ما لفلان قلب ، وما قلبه معه : أي ما عقله معه . وأين ذهب قلبك ؟ يعني أين ذهب عقلك .

وقوله : أوْ ألْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ يقول : أو أصغى لإخبارنا إياه عن هذه القرون التي أهلكناها بسمعه ، فيسمع الخبر عنهم ، كيف فعلنا بهم حين كفروا بربهم ، وعصوْا رسله وَهُوَ شَهِيدٌ يقول : وهو متفهم لما يخبرُ به عنهم شاهد له بقلبه ، غير غافل عنه ولا ساه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وإن اختلفت ألفاظهم فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ فِي ذلكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ يقول : إن استمع الذكر وشهد أمره ، قال في ذلك : يجزيه إن عقله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أوْ ألْقَى السّمْعَ قال : وهو لا يحدّث نفسه ، شاهد القلب .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ قال : العرب تقول : ألقى فلان سمعه : أي استمع بأذنيه ، وهو شاهد ، يقول : غير غائب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إنّ فِي ذَلكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ ألْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ قال : يسمع ما يقول ، وقلبه في غير ما يسمع .

وقال آخرون : عنى بالشهيد في هذا الموضع : الشهادة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ يعني بذلك أهل الكتاب ، وهو شهيد على ما يقرأ في كتاب الله من بعث محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ على ما في يده من كتاب الله أنه يجد النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبا .

قال : ثنا ابن ثور ، قال : قال معمر ، وقال الحسن : هو منافق استمع القول ولم ينتفع .

حدثنا أحمد بن هشام ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح في قوله : أوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ قال : المؤمن يسمع القرآن ، وهو شهيد على ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ قال : ألقى السمع يسمع ما قد كان مما لم يعاين من الأحاديث عن الأمم التي قد مضت ، كيف عذّبهم الله وصنع بهم حين عَصوا رسله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

وقوله تعالى : { إن في ذلك } يعني إهلاك من مضى ، والذكرى : التذكرة ، والقلب : عبارة عن العقل إذ هو محله . والمعنى : { لمن كان له قلب } واع ينتفع به . وقال الشبلي معناه : قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين .

وقوله تعالى : { أو ألقى السمع وهو شهيد } معناه : صرف سمعه إلى هذه الأنباء الواعظة وأثبته في سماعها ، فذلك إلقاء له عليها ، ومنه قوله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني }{[10564]} [ طه : 39 ] أي أثبتها عليك ، وقال بعض الناس قوله تعالى : { ألقى السمع } ، وقوله : { فضربنا على آذانهم }{[10565]} [ الكهف : 11 ] وقوله : { سقط في أيديهم }{[10566]} [ الأعراف : 149 ] هي كلها مما قل استعمالها الآن وبعدت معانيها .

قال القاضي أبو محمد : وقول هذا القائل ضعيف ، بل هي بينة المعاني ، وقد تقدمت في موضعها .

وقوله تعالى : { وهو شهيد } قال بعض المتأولين : معناه : وهو مشاهد مقبل على الأمر غير معرض ولا منكر في غير ما يسمع . وقال قتادة : هي إشارة إلى أهل الكتاب ، فكأنه قال : إن هذه العبرة التذكرة لمن له فهم فيتدبر الأمر أو لمن سمعها من أهل الكتاب فيشهد بصحتها لعلمه بها من كتابه التوراة وسائر كتب بني إسرائيل : ف { شهيد } على التأويل الأول من المشاهدة ، وعلى التأويل الثاني من الشهادة .

وقرأ السدي : { أو ألقى السمع }{[10567]} قال ابن جني ألقى السمع منه حكى أبو عمرو الداني أن قراءة السدي ذكرت لعاصم فمقت السدي وقال : أليس الله يقول : { يلقون السمع }{[10568]} [ الشعراء : 223 ] .


[10564]:من الآية (39) من سورة (طه).
[10565]:من الآية (11) من سورة (الكهف).
[10566]:من الآية (149) من سورة (الأعراف).
[10567]:جاءت القراءة في الأصول بدون ضبط، وقد ضبطها ابن جني في المحتسب، وأبو حيان في البحر، وهي بضم الهمزة وكسر القاف من [ألقي] وبرفع العين من [السمع]، فالفعل مبني للمفعول، و[السمع] نائب فاعل. قال أبو الفتح:"أي: أُلقي منه، وهذا كأنه أندى معنى إلى النفس من القراءة العامة، وذلك أن قوله تعالى:{أو ألقى السمع وهو شهيد} معناه: ألقى سمعه نحو كتاب الله تعالى، وهو شهيد، أي: قلبه حاضر معه، ليس غرضه أن يصغي كما أُمر بالاصغاء نحو القرآن، ولا يجعل قلبه إليه، إلا أن ظاهر الأمر وأكثره أنه إذا ألقى سمعه أيضا نحوه معه، وهذه القراءة المنفردة كأنها أشد تشابه لفظ؛ لأن ظاهرها أن قلبه أُلقي إليه، وليس في اللفظ أنه هو ألقاه، فاتصل بعض ببعض، فكأنه ألقي إليه سمعه وقلبه، حتى كأن مُلقيا غيره ألقى سمعه إلى القرآن، وليس عجبا أن يقال: عن قلبه عند ذلك معه، لأنه إذا كان هو الذي ألقاه نحوه فالعرف أن يكون قلبه معه، وهو شاهد لا غائب"، قارن هذا بما ذكر عن عاصم.
[10568]:من الآية(223) من سورة (الشعراء).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ} (37)

وقوله : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } إلى آخرها يجوز أن تكون الإشارة بذلك إلى إهلاك القرون الأشدِّ بطشاً ، ويجوز أن يكون إلى جميع ما تقدم من استدلال وتهديد وتحذير من يوم الجزاء .

والذكرى : التذكرة العقلية ، أي التفكر في تدبر الأحوال التي قضت عليهم بالإهلاك ليقيسوا عليها أحوالهم فيعلموا أن سَيَنَالهُمْ ما نال أولئك ، وهذا قياس عقلي يدركه اللبيب من تلقاء نفسه دون احتياج إلى منبه .

والقلب : العقل وإدراك الأشياء على ما هي عليه . وإلقاء السمع : مستعار لشدة الإصغاء للقرآن ومواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم كأنَّ أسماعهم طرحت في ذلك فلا يشغلها شيء آخر تسمعه .

والشهيد : المشاهد وصيغة المبالغة فيه للدلالة على قوة المشاهدة للمذكر ، أي تحديق العين إليه للحرص على فهم مراده مما يقارن كلامه من إشارة أو سَحْنة فإن النظر يعين على الفهم . وقد جيء بهذه الجملة الحالية للإشارة إلى اقتران مضمونها بمضمون عاملها بحيث يكون صاحب الحال ملقيا سمعه مشاهِدا . وهذه حالة المؤمن ففي الكلام تنويه بشأن المؤمنين وتعريض بالمشركين بأنهم بعداء عن الانتفاع بالذكريات والعبر . وإلقاء السمع مع المشاهدة يوقظ العقل للذكرى والاعتبار إن كان للعقل غفلة .

وموقع { أو } للتقسيم لأن المتذكر إمّا أن يتذكر بما دلت عليه الدلائل العقلية من فهم أدلة القرآن ومن الاعتبار بأدلة الآثار على أصحابها كآثار الأمم مثل ديار ثمود ، قال تعالى : { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا } [ النمل : 52 ] فقوله : { ألقى السمع } استعارة عزيزة شبه توجيه السمع لتلك الأخبار دون اشتغال بغيرها بإلقاء الشيء لمن أخذه فهو من قسم من له قلب ، وإما أن يتذكر بما يبلغه من الأخبار عن الأمم كأحاديث القرون الخالية . وقيل المراد بمن ألقى السمع وهو شهيد خصوص أهل الكتاب الذين ألقوا سمعهم لهذه الذكرى وشهدوا بصحتها لعلمهم بها من التوراة وسائر كتبهم فيكون { شهيد } من الشهادة لا من المشاهدة . وقال الفخر : تنكير { قلب } للتعظيم والكمال . والمعنى : لمن كان له قلب ذكيّ واع يستخرج بذكائه ، أو لمن ألقى السمع إلى المنذر فيتذكر ، وإنما قال { أو ألقى السمع } ولم يقل : استمع ، لأن إلقاء السمع ، أي يرسل سمعه ولا يمسكه وإن لم يقصد السماع ، أي تحصل الذكرى لمن له سمع . وهو تعريض بتمثيل المشركين بمن ليس له قلب وبمن لا يلقي سمعه .