ثم حكى القرآن بعض القبائح التي كان يفعلها المشركون ، ورد عل أكاذيبهم بما يدحضها فقال : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً . . . } .
الفاحشة : هى كل فعل قبيح يتنافى مع تعاليم الشريعة مثل الإشراك بالله ، والطواف بالبيت الحرام بدون لباس يستر العورة .
قال الإمام ابن كثير : " كانت العرب - ما عدا قريشا - لا يطوفون بالبيت الحرام في ثيابهم التي لبسوها ، يتأولون في لك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها ، وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم ، ومن أعاره أحمسى ثوبا طاف فيه ، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد ، ومن لم يجد ثوبا جديداً ولا أعاره أحمسى ثوبا طاف عريانا ، وربما كانت المرأة تطوف عريانة ، فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر ، وأكثر ما كان النساء يطفن عراة ليلا ، وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم ، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله فأنكر الله عليهم ذلك وقال : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا والله أَمَرَنَا بِهَا } .
فالآية الكريمة تحكى عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يرتكبون القبائح التي نهى الله عنها كالطواف بالكعبة عرايا ، وكالإشراك بالله ، ثم بعد ذلك يحتجون بأنهم قد وجدوا آباءهم كذلك يفعلون ، وبأن الله قد أمرهم بذلكن ولا شك أن احتجاجهم هذا من الأكاذيب التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ولذا عاجلهم القرآن بالرد المفحم ، فقال : { قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
أى : قل يا محمد لهؤلاء المفترين على الله الكذب : إن كلامكم هذا يناقضه العقل والنقل . أما أن العقل يناقضه ويكذبه . فلأنه لا خلاف بيننا وبينكم في أن ما تفعلونه هو من أقبح القبائح بدليل أن بعضكم قد تنزه عن فعله ، وأما أن النقل يناقضه ويكذبه فلأنه لم يثبت عن طريق الوحى أن الله أمر بهذا ، بل الثابت أن الله لا يأمر به ، لأن الفاحشة في ذاتها تجاوز لحدود الله ، وانتهاك لحرماته ، فهل من المعقول أن يأمر الله بانتهاك حدوده وحرماته ؟ والاستفهام في قوله - تعالى - : { أَتَقُولُونَ } للإنكار والتوبيخ وفيه معنى النهى .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
ذكر أن معنى الفاحشة في هذا الموضع ، ما :
حدثني عليّ بن سعيد بن مسروق الكنديّ ، قال : حدثنا أبو محياة عن منصور ، عن مجاهد : وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أمَرَنا بِها قال : كانوا يطوفون بالبيت عُراة ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمّهاتنا ، فتضع المرأة على قُبُلها النّسْعة أو الشيء فتقول :
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّه ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْهَا آباءَنا فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عُراة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن مفضل ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير والشعبيّ : وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَة قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا قال : كانوا يطوفون بالبيت عُراة .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَإذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجْدنا عَلَيْها أباءَنا وَالله أمَرَنا بِها قال : كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة ، فإذا قيل : لم تفعلون ذلك ؟ قالوا : وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قال : طوافهم بالبيت عراة .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد : وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا قال : في طواف الحُمْس في الثياب وغيرهم عراة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْهَا آباءَنا قال : كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة ، فتلك الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم قُلْ إن الله لا يَأمُرُ بالفَحْشاءِ . . . الاَية .
فتأويل الكلام إذن : وإذا فعل الذي لا يؤمنون بالله الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء قبيحا من الفعل وهو الفاحشة ، وذلك تعرّيهم للطواف بالبيت وتجرّدهم له ، فعُذِلوا على ما أتوا من قَبيح فعلهم وعُوتبوا عليه ، قالوا : وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا ، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون ، ونقتدي بهديهم ونستنّ بسنتهم ، والله أمرنا به ، فنحن نتبع أمره فيه ، يقول الله جلّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهم : إن الله لا يأمر بالفحشاء ، يقول : لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومَساويها ، أتقولون أيها الناس على الله ما لا تعلمون يقول : أتروون على الله أنه أمركم بالتعرّي والتجرّد من الثياب واللباس للطواف ، وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك .
وقوله { وإذا فعلوا } وما بعده داخل في صفة الذين لا يؤمنون ليقع التوبيخ بصفة قوم جعلوا مثالاً للموبخين إذا أشبه فعلهم فعل الممثل بهم ، ويصح أن تكون هذه الآية مقطوعة من التي قبلها ابتداء إخبار عن كفار العرب ، و «الفاحشة » في هذه الآية وإن كان اللفظ عاماً هي كشفت العورة عند الطواف فقد روي عن الزهري أنه قال : إن في ذلك نزلت هذه الآية ، وقاله ابن عباس ومجاهد ، وكان قول بعض الكفار إن الله أمر بهذه السنن التي لنا وشرعها ، فرد الله عليهم بقوله { قل إن الله لا يأمربالفحشاء } ثم وبخهم على كذبهم ووقفهم على قولهم ما لا علم لهم به ولا رواية لهم فيه بل هو دعوى واختلاق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.